التركيز على اللحظة الحاضرة

الساعة الآن الخامسة صباحًا والشمس تشرع في الشروق والجو صافيًا منعشًا، ويستعد يوشيمورا شويو، نائب رئيس كهنة معبد فونمونجي بهيروشيما ليبدأ فترة «زازن» من الجلوس والتأمل، هنا يتنفس الكاهن ببطء وقد أرخى نظره لأسفل في وضع جلوس لمدة ٤٠ دقيقة تقريبًا في مواجهة الحائط، وهناك حس من الجمال المهيب في جلسته الصامتة وجسده المنتصب.

ويقول يوشيمورا شارحًا: «المهم في الزن هو أن تركز على اللحظة الحاضرة، وجلسة «زازن» تمنحك الفرصة لتكون واعيًا بذلك». والغرض من الزازن ليس محو الذهن فنحن لا نطرد الأفكار البسيطة التي قد تطرأ على خاطرنا وإنما نتقبلها ببساطة، الزازن هو وسيلة للنظر نحو النفس بموضوعية مع كل الأفكار والأحاسيس التي تنبعث منها لكي نرى عقلنا وقلبنا من الداخل.

«نحن البشر نميل للتفكير في الماضي والقلق من المستقبل والتوتر من أشياء ليست جزء من الواقع الذي أمامنا فلو أمكننا من خلال الزازن أن نحرر ذهننا وجسدنا من هذا التوتر ونواجه أنفسنا كما هي الآن في اللحظة الحاضرة فلن نجد أنفسنا غارقين في هموم لا ضرورة لها ولا معنى».

كل عمل هو تدريب في الزن

عقب جلسة الزازن يقرأ يوشيمورا التلاوات البوذية ويأكل ويقوم بأعمال التنظيف بينما يؤدي كل حركة بكفاءة وعناية شديدة.

«فلسفة الزن هي أن كل حركة وكل عمل هو نوع من التدريب ويجب أن تفعل كل منها باجتهاد شديد دون استسهال أو اختصار للطرق».

النظافة مثلًا، وهو عمل من المعتاد إهماله، هي في الواقع ممارسة تؤدي إلى فحص الفرد لحالته الذهنية، وقد قضى يوشيمورا وقتًا طويلًا أيضًا في القيام بأعمال النظافة خلال فترة تدريبه لمدة عامين وشهرين كمتصوف بمعبد إيهيجي، وهو المعبد الرئيسي لطائفة «سوتو» البوذية، وكان في سبيل المحافظة على المعبد الكبير والأرض من حوله يقوم بتنظيفه باستمرار متبعًا قواعد محددة.

«عند التنظيف أنت تحرك جسدك أولًا قبل أن تبدأ في التفكير وهذا ما نقصده بالضبط عندما نقول التركيز في الحاضر، فالنظافة والزازن لهما في الحقيقة نفس التأثير».

وتناول وجبة هو أيضًا أمر له معنى كبير فطبقًا لتعاليم الزن لا يجب التفريط في حبة أرز واحدة أو ورقة صغيرة من الخضراوات، فكل عنصر يجب تذوقه جيدًا ولا تترك شيئًا منه، ولهذا السبب يجب تناول الطعام طبقًا لقواعد محددة تمامًا، فممنوع الكلام أثناء الأكل وإنما الأكل باهتمام فالتركيز الكامل يجب أن يكون على تناول الوجبة.

«ولا يؤمن كهنة الزن بقتل الكائنات الحية ويقتصر طعامهم في الأساس على الخضروات بدون سمك أو لحوم، وهذا الطعام يسمى «شوجين ريوري» أو طعام تعبدي لأن الوجبة دائمًا هي ممارسة بوذية. فهناك معنى لتركيز كل الاهتمام على الوجبة كوسيلة للإحساس الكامل باللحظة الحاضرة».

النظر للحياة اليومية بوجهة بوذية

قد يبدو من الصعب إدخال هذه الممارسات البوذية الكاملة في الحياة اليومية المعاصرة ولكن إدخال الفلسفة البوذية في حياتنا العادية هو في الواقع عملية ممكنة جدًا.

فعلى سبيل المثال مجرد تخصيص عشر دقائق يوميًا للتنظيف بعناية واهتمام هو شيء كافي جدًا، وعند تناول الطعام تركز في الأكل دون أن تشتت ذهنك فالمهم هو أن تخصص وقتًا معينًا من أنشطتك اليومية لتركز على اللحظة الحاضرة فتستوعبها باهتمام وتقبلها كما هي.

«من الخطأ أن تفعل شيئًا لتنظيم عقلك، فالتنظيف والأكل وحتى الزازن أو الجلوس والتأمل هي مجرد وسائل للتدريب، بممارسة هذا المبدأ ستجد نفسك مستقرًا بصورة طبيعية، فمذهب الزن يرى أنه بالتدريب المستمر عبر أنشطتك اليومية يمكنك تنظيم ذهنك بشكل طبيعي».

وقد تبدو لنا هذه القواعد شديدة الصرامة ولكن المدهش في الواقع هو القدر الهائل من السلام النفسي الذي تبعثه الحياة المنظمة جيدًا، ومن يدري فلعل ترتيب الحياة اليومية طبقًا لمبادئ الزن هي الوسيلة المثلى لتحقيق ذلك.

يوشيمورا شويو
ولد عام ١٩٧٧ وهو نائب رئيس الكهنة بمعبد فونمونجي بمنطقة هاتشياسان (في هيروشيما) وهو معبد ينتمي لطائفة سوتو من مذهب الزن، وهو أيضًا طبيب نفسي يعمل بأحد المستشفيات في محافظة هيروشيما إلى جانب ممارسته للكتابة وإلقاء المحاضرات، وقد ألف يوشيمورا عددًا من الكتب من بينها «كوكورو تو كوراشي غا توتونو زن نو أوشيئ» (تعاليم الزن لتنظيم العقل والحياة) وكتاب «شوجين ريوري كو» (المبادئ وراء طعام شوجين ريوري).