جمال الديكور الداخلي الياباني البسيط

(الصورة من Edo-Tokyo Open Air Architectural Museum)

(الصورة من Edo-Tokyo Open Air Architectural Museum)

غالباً ما يكون المنزل من أفضل الأماكن التي تسمح بالتعرف على قيم ثقافة معينة وأساليب الحياة فيها. تزداد شعبية المنازل والديكور الداخلي الياباني حول العالم في الآونة الأخيرة لأسباب تتعلق بالجمال والاستدامة. لنستكشف الجمال الفريد للديكور الداخلي الياباني والقيم الثقافية التي ينبع منها.

تشاشيتسو: أصول حفل الشاي في الديكور الداخلي الياباني

بدأ فن حفل الشاي الياباني يكتسب شعبية متزايدة في فترة موروماتشي (حوالي القرن الرابع عشر إلى السادس عشر). قام رهبان الزن البوذيون بتصميم تشاشيتسو، وتعني "غرفة الشاي"، كمكان للاستمتاع بحفل الشاي، بالإضافة إلى أنشطة فنية أخرى مثل تنسيق الزهور والشِعر. من أهم مميزات غرفة تشاشيتسو هي أرضيات حصير التاتامي، وأبواب شوجي الورقية المنزلقة، وكوة توكونوما في الجدار لعرض اللفائف المعلقة وتنسيقات الزهور، وموقد رو الغائر في الأرض. يكون في الغرفة القليل من الأثاث أو لا يكون فيها أثاث أبداً، حيث يقام حفل الشاي بالجلوس على أرضية مغطاة بحصير القش.

اليمين: تشاشيتسو، وتعني "غرفة الشاي"، تكون عادةً غرفة صغيرة مستقلة متصلة بمسكن رئيسي أو معبد عبر ممر في الحديقة.
اليسار: أبواب ونوافذ شوجي المنزلقة تكون مغطاة بورق واشي الذي ينشر الضوء بلطف. حصير قش تاتامي يغطي الأرضيات مما يجعلها مريحة للجلوس.

الصورة العليا: تشاشيتسو، وتعني "غرفة الشاي"، تكون عادةً غرفة صغيرة مستقلة متصلة بمسكن رئيسي أو معبد عبر ممر في الحديقة.
الصورة السفلية: أبواب ونوافذ شوجي المنزلقة تكون مغطاة بورق واشي الذي ينشر الضوء بلطف. حصير قش تاتامي يغطي الأرضيات مما يجعلها مريحة للجلوس.

اليمين: امرأة تؤدي السادو، أي حفل الشاي الياباني. يستخدم موقد رو الغائر في الأرض لغلي الماء من أجل إعداد الشاي.
اليسار: توكونوما هي كوة في الجدار مخصصة لعرض اللفائف المعلقة وتنسيقات الزهور.

الصورة العليا: امرأة تؤدي السادو، أي حفل الشاي الياباني. يستخدم موقد رو الغائر في الأرض لغلي الماء من أجل إعداد الشاي.
الصورة السفلية: توكونوما هي كوة في الجدار مخصصة لعرض اللفائف المعلقة وتنسيقات الزهور.

على الرغم من أنه تم تصميم غرفة تشاشيتسو لتقديم الشاي والاستمتاع به، إلا أن المفاهيم الجمالية التي تم تطويرها لهذه الغرفة انتشرت في جميع أنحاء العمارة والتصميم الداخلي في اليابان. ويمكن رؤية تأثيرها في كل مكان، من المنازل إلى الفنادق والمطاعم.

جماليات الديكور الداخلي الياباني التقليدي

من أبرز سمات الديكور الداخلي الياباني التقليدي هو بساطته. إن خبراء الشاي، الذين صقلوا جماليات هذا الفن على مر السنين، كانوا يقدرون الهدوء. حيث استخدموا الألوان الترابية المريحة للعين كالبني والأخضر. وغالباً ما يقتصر الديكور على اللفائف المعلقة أو تنسيقات الزهور في كوة توكونوما. لقد رأوا أن التصميم البسيط والعملي يعزز قدرة المشاركين في حفل الشاي على تقدير صحبة بعضهم البعض وجمال الحفل اللطيف.

يكمن جمال غرفة الشاي في بساطتها الأنيقة بألوانها الترابية الهادئة وخطوطها الواضحة وعدم وجود زخارف غير ضرورية فيها.

يتم تصميم الديكورات الداخلية اليابانية التقليدية لتعزيز الانسجام مع الطبيعة أيضاً. بدلاً من الانعزال بشكل كامل، تشكل أبواب شوجي المنزلقة حاجزاً مرناً ونافذاً بين العالم الخارجي والمنزل. ويمكن تعديلها لتوفير الخصوصية مع السماح للمرء بالاستمتاع بأحاسيس الطبيعة، من ضوء الشمس إلى صوت قطرات المطر إلى نقيق الضفادع وطنين الزيز.

اليمين: تشكل أبواب شوجي المنزلقة حاجزاً مرناً بين الداخل والخارج، مما يسمح لساكني المنزل بالتواصل مع الطبيعة من داخل المنزل.
اليسار: تتوفر أبواب شوجي بأنواع كثيرة متعددة. تدعى أبواب شوجي المنزلقة إلى الأعلى "يوكيمي-شوجي" أو "شوجي لمشاهدة الثلج". أما أبواب شوجي المنزلقة إلى الأسفل فتدعى "تسوكيمي-شوجي" أو "شوجي لمشاهدة القمر". تتيح هذه الأبواب تواصلاً أكثر مرونة مع الطبيعة الخارجية.

الصورة العليا: تشكل أبواب شوجي المنزلقة حاجزاً مرناً بين الداخل والخارج، مما يسمح لساكني المنزل بالتواصل مع الطبيعة من داخل المنزل.
الصورة السفلية: تتوفر أبواب شوجي بأنواع كثيرة متعددة. تدعى أبواب شوجي المنزلقة إلى الأعلى "يوكيمي-شوجي" أو "شوجي لمشاهدة الثلج". أما أبواب شوجي المنزلقة إلى الأسفل فتدعى "تسوكيمي-شوجي" أو "شوجي لمشاهدة القمر". تتيح هذه الأبواب تواصلاً أكثر مرونة مع الطبيعة الخارجية.

كما يلعب الظل دوراً مهماً في جماليات الديكور الداخلي الياباني التقليدي. وصف الكاتب الياباني الشهير جونيتشيرو تانيزاكي جمال الظلال في موضوع بعنوان "في مديح الظلال" عام 1933. وفيه قام بتشبيه الديكور الداخلي الياباني بلوحة فنية مرسومة بالحبر، حيث تكون أبواب ونوافذ شوجي كمساحات من الورق الأبيض، وتوكونوما الظليلة المكان الذي يكون فيه لون الحبر هو الأغمق. تعد الظلال سبباً آخر لقلة الزينة في المساحات الداخلية اليابانية التقليدية، حيث تعتبر رقصة الضوء والظلال السرمدية على الجدران أجمل من أي زينة.

تشبه غرفة تشاشيتسو لوحة فنية مرسومة بالحبر، حيث تكون أبواب ونوافذ شوجي كمساحات من الورق الأبيض، وتوكونوما الظليلة كالمكان الذي يكون فيه لون الحبر هو الأغمق.

اليمين: تشوتشيكوكيو، المنزل التاريخي للمهندس المعماري الياباني كوجي فوجيي. في أواخر عشرينيات القرن الماضي بدأت الإضاءة الكهربائية بالانتشار في جميع أنحاء اليابان. جمعت مثل هذه الغرف الكراسي الغربية والإضاءة الكهربائية الحديثة مع عناصر يابانية تقليدية مثل كوة توكونوما ونوافذ على نمط شوجي. (الصورة من Taizo Furukawa، بإذن من Takenaka Corporation)
اليسار: تعد إنغاوا أي الشرفة من أبرز معالم تشوتشيكوكيو. تمتد النوافذ البانورامية على طول الجدار حتى الزوايا، مما يتيح للمرء الاستمتاع بالمناظر الطبيعية المحيطة بالمنزل. (الصورة من Taizo Furukawa، بإذن من Takenaka Corporation)

الصورة العليا: تشوتشيكوكيو، المنزل التاريخي للمهندس المعماري الياباني كوجي فوجيي. في أواخر عشرينيات القرن الماضي بدأت الإضاءة الكهربائية بالانتشار في جميع أنحاء اليابان. جمعت مثل هذه الغرف الكراسي الغربية والإضاءة الكهربائية الحديثة مع عناصر يابانية تقليدية مثل كوة توكونوما ونوافذ على نمط شوجي. (الصورة من Taizo Furukawa، بإذن من Takenaka Corporation)
الصورة السفلية: تعد إنغاوا أي الشرفة من أبرز معالم تشوتشيكوكيو. تمتد النوافذ البانورامية على طول الجدار حتى الزوايا، مما يتيح للمرء الاستمتاع بالمناظر الطبيعية المحيطة بالمنزل. (الصورة من Taizo Furukawa، بإذن من Takenaka Corporation)

منزل كونيو مايكاوا الذي تم بناؤه عام 1942، وهو يشكل حالياً جزءاً من متحف إيدو-طوكيو المعماري المفتوح. في أربعينيات القرن الماضي، استمر إدخال الأفكار الغربية في المنازل اليابانية مع الحفاظ على الصلة بالطبيعة وجمال أشعة الشمس وظلالها التي تتمتع بها الديكورات الداخلية اليابانية التقليدية.
(الصورة من Edo-Tokyo Open Air Architectural Museum)

وفي السنوات الأخيرة أصبح هناك اهتمام متجدد بفوائد الاستدامة التي توفرها مساحات المعيشة اليابانية التقليدية. حيث تستخدم في هذه المساحات مواد محلية المصدر وقابلة للتحلل الحيوي مثل الخشب وورق واشي بكفاءة. تتحكم جدران تسوتشيكابي الطينية الطبيعية بالرطوبة كما تقوم بالعزل. تخفض أبواب ونوافذ شوجي من استهلاك الكهرباء من خلال الاستفادة من الضوء الطبيعي بشكل فعال مع توفير الخصوصية. مع استمرار المهندسين المعماريين ومصممي الديكور الداخلي اليابانيين المعاصرين في استكشاف مواد وتقنيات جديدة، فإنه من المهم مراعاة هذه الدروس المستقاة من الماضي.

لقاء التقاليد اليابانية بالتصميم الحديث

في العصر الحديث يواصل العديد من المصممين اليابانيين تبني الأفكار الإبداعية للديكورات الداخلية اليابانية التقليدية باستخدام مواد وتقنيات حديثة.

اكتسبت مصابيح "أكاري" التي صممها المصمم إيسامو نوغوتشي شهرة عالمية لجمعها بين التقاليد اليابانية والتصميم العصري. على غرار أبواب ونوافذ شوجي، تتم صناعة هذه المصابيح بشد ورق واشي على إطار من الخيزران بحيث يقوم الورق بنشر الضوء بلطف. أصبحت المصابيح المستوحاة من تصاميم نوغوتشي شائعة في جميع أنحاء العالم اليوم، كما لا زال يتم إنتاج وبيع مصابيح "أكاري" الأصلية التي صممها.

تجمع مصابيح "أكاري" من تصميم إيسامو نوغوتشي بين التقاليد والتصميم العصري. ابتكر نوغوتشي حوالي 200 تصميم لمصابيح "أكاري" على مدى 35 عاماً بدءاً بخمسينيات القرن الماضي. ولا زال يتم إنتاج وبيع تصاميمه حتى يومنا هذا. (الصور من .OZEKI & Co., Ltd)

قد تبدو مساكن المهندس المعماري الياباني تاداو أندو أبعد ما تكون عن الديكور الداخلي الياباني التقليدي بجدرانها الخرسانية المكشوفة المميزة، ولكنها في الواقع متأثرة كثيراً بالأفكار التقليدية. على سبيل المثال، يجسد منزل Row House في سوميوشي، الذي تم بناؤه عام 1976، مفهوم التواصل مع عالم الطبيعة الخارجي إلى حدوده القصوى. هناك فناء مفتوح يقسم هذا المنزل الضيق في المنتصف، مما يربط حياة سكانه اليومية بالطقس والفصول بشكل وثيق.

منزل Row House في سوميوشي الذي تم بناؤه عام 1976. هناك فناء مفتوح في منتصف المنزل الضيق. على السكان اجتياز الفناء للوصول إلى الجانب الآخر من المنزل. في الأيام الممطرة، قد يحتاج السكان إلى أخذ مظلة معهم للذهاب إلى المرحاض! (الصور من Tadao Ando Architect & Associates)

وقد أشار أندو أيضاً إلى موضوع تانيزاكي عن الظلال كمصدر إلهام لتصاميمه. يمكن رؤية تأثير تانيزاكي في منزل Koshino House من تصميم أندو، وهو منزل تم تصميمه بحيث يسمح لسكانه بالاستمتاع برقصة أشعة الشمس والظل الطبيعية.

منزل Koshino House الذي تم بناؤه في ثمانينيات القرن الماضي. متأثراً بموضوع تانيزاكي، قام أندو بتصميم منزل يتيح لسكانه الاستمتاع بالتناغم الطبيعي بين ضوء الشمس والظلال من كوة الإنارة على طول الجدار الخرساني. (الصور من Tadao Ando Architect & Associates)

لقاء الشرق بالغرب في ظاهرة "جاباندي"

في السنوات الأخيرة، أخذ أسلوب تصميم داخلي يدعى "جاباندي" يحظى باهتمام عالمي وأصبح موضوعاً متداولاً على وسائل التواصل الاجتماعي. كلمة "جاباندي" هي جمع بين كلمتي "جابان" و"اسكندي" (اختصاراً لكلمة "اسكندنافيا")، وهو أسلوب مستوحى من قيم التصميم في اليابان وشمال أوروبا. مع التقدير المشترك للمواد الطبيعية والالتزام بالحرفية العالية الجودة، يمتزج هذان الأسلوبان التصميميان بتناغم بينما تكمل اختلافاتهما بعضها البعض. من شمال أوروبا يأتي ذوق جمالي يقوم على الراحة الدافئة المريحة، بينما يأتي من اليابان ذوق قائم على البساطة الأنيقة النظيفة. ويشير محبو هذا الأسلوب أيضاً إلى فوائد الاستدامة فيه: من خلال تبني أسلوب "البساطة تكفي" واختيار أثاث ومنتجات عالية الجودة لا تتأثر بعوامل الزمن للمنزل، يمكن لأسلوب جاباندي أن يساعد في خفض الاستهلاك.

يجمع أسلوب جاباندي بين البساطة النظيفة والألوان الأرضية في الديكورات الداخلية اليابانية ودفء وتنوع خامات الديكورات الداخلية الاسكندنافية.

في هذا المنزل المصمم بأسلوب جاباندي في طوكيو، تم صنع أثاث مخصص باستخدام خشب الزلكوفا، وهو مادة تقليدية تستخدم في بناء المعابد اليابانية.
(الصور من KEIJI ASHIZAWA DESIGN)

تتابع تقاليد التصميم الداخلي اليابانية تقديم أفكار حول الجمال للمصممين المعاصرين في اليابان وخارجها. ومع سعي اليابان وبلدان أخرى إلى أساليب معيشة جديدة توازن بين الجمال والراحة والكفاءة، قد تظل حكمة مساحات المعيشة اليابانية التقليدية مفيدة.