تطوّر حُصُر "تاتامي"

تُعدّ أرضيّة "تاتامي" نوعًا تقليديًا من أنواع الأرضيات المستخدمة في المنازل والمباني اليابانية، وهي تُشكّل ميزة جوهرية في غرف الشاي، كما تجدر الإشارة إلى أنّ مباريات الجودو الشيّقة لا تتمّ سوى على حُصُر "تاتامي". على الرغم من أنّ الأرضيات الخشبية باتت تحظى بشعبية أكبر في يومنا هذا، إلّا أنّ كثيرين ما زالوا يقدّرون مظهر أرضيّة "تاتامي" والشعور الرائع الذي تبعثه، وقد وجدوا طرقًا متعددة لدمجها في التصاميم الداخلية الأكثر حداثة. لنلقِ نظرة على بعض الطرق التي تُستخدم بها أرضيّة "تاتامي" اليوم في عالم التصميم الداخلي المعاصر.
تُشكّل أرضيّة "تاتامي" ميزة لا غنى عنها في المساحات التقليدية مثل غرف الشاي.
إذًا ما هي أرضيّة تاتامي؟
تعتمد أرضيّة "تاتامي" على الحُصُر المؤلّفة من ثلاثة أجزاء. الطبقة الوسطى ("تاتامي-دوكو") مصنوعة من مادة مثل القش المجفف، وهي محاطة بطبقتين خارجيتين، باسم "تاتامي أوموتي"، اللتين يتم نسجهما معًا باستخدام نبات الأسلية الناعم الذي يشبه العشب. ويتم تقوية الجوانب الطويلة لكل حصيرة بأحزمة قماشية تسمى "تاتامي بيري". يمكن أن يختلف حجم حصيرة "تاتامي" من منطقة إلى أخرى، ولكن عادةً ما يكون مقاسها حوالي 180 سم × 90 سم، فتتميّز بنسبة 2:1 بين الطول والعرض.
إلى اليسار: مقطع عرضي لحصيرة "تاتامي". تُحاط طبقة "تاتامي-دوكو" (الطبقة الوسطى) بطبقتَي "تاتامي-أوموتي" (الطبقتان الخارجيتان) يتم نسجهما باستخدام نبات الأسلية الناعم. يبلغ سمك معظم حُصُر "تاتامي" بين 5 و6 سم تقريبًا.إلى اليمين: يبلغ طول الجوانب الطويلة من حصيرة "تاتامي" ضعف طول الجوانب القصيرة، ويتم ترتيبها بجانب بعضها البعض لملء مساحة الغرفة.
تم تصميم المنازل اليابانية تقليديًا بحيث يمكن تحديد حجم كل غرفة من خلال عدد حُصُر "تاتامي" التي يمكن أن تتسع فيها. لهذا السبب، لا يزال العديد من الأشخاص يشيرون إلى أحجام الغرف بالاستناد إلى حُصُر "تاتامي" الموجودة فيها. على سبيل المثال، إذا أخبرت شخصًا يابانيًا أنّ غرفة ما تتضمّن ستة حُصُر، فسيتمكّن من تحديد حجمها التقريبي بشكل تلقائي.
يُستخدم نبات الأسلية الناعم لصنع طبقتَي "تاتامي-أوموتي" (الطبقتان الخارجيتان).
لماذا يتم استخدام حُصُر "تاتامي" في اليابان؟
تمتاز اليابان بأربعة فصول مختلفة، حيث تشهد معظم المناطق طقسًا حارًا ورطبًا في الصيف وطقسًا باردًا وجافًا في الشتاء. وتجدر الإشارة إلى أنّ حُصُر "تاتامي" قادرة على الاحتفاظ بالحرارة بشكل جيد بفضل ميزة العزل الحراري الممتازة التي تتمتع بها، بينما تتيح خصائصها الممتصّة للرطوبة التحكّم برطوبة الغرفة بشكل مناسب. وتجعل كل هذه الخصائص من حُصُر "تاتامي" مادة أرضيات مثالية للمناخ الياباني.
تم تصميم المباني اليابانية التقليدية بطريقة تسمح للهواء بالتدفق من تحت الأرض وتهوية الغرفة. ويمنع انتشار الهواء الداخلي بالتالي حُصُر "تاتامي" من التعرض المفرط للرطوبة.
تشتهر اليابان بعادة قديمة تتمثل بإزالة الأحذية داخل المنازل والجلوس مباشرةً على الأرض بدلاً من استخدام الكرسي، مما يجعل الشعور المرن والمريح الذي توفّره حُصُر "تاتامي" متناغمًا تمامًا مع أسلوب الحياة الياباني.
لذلك، أدّت حُصُر "تاتامي" دورًا محوريًا في المنازل اليابانية لعدة قرون، إذ تُعتبر مناسبة تمامًا لمساحات المعيشة والعادات اليابانية.
أشكال جديدة من حُصُر تاتامي
ازدادت شعبية الأرضيات الخشبية في اليابان اليوم، وانخفض عدد الغرف التي تستخدم أرضيات "تاتامي". ومع ذلك، لا تزال خصائص حُصُر "تاتامي" مرغوبة من الأشخاص الذين يحبون الجلوس والنوم مباشرةً على الأرض، مما أدى إلى ظهور أنواع جديدة ومختلفة من "تاتامي" تتناسب بشكل أفضل مع المنازل الحديثة. في يومنا هذا، تُصنَع حُصُر "تاتامي" من الألياف البلاستيكية الاصطناعية وتُشكّل خيارًا عمليًا للغاية، بحيث يسهل تنظيفها وتعدّ أقل عرضةً لالتقاط عث الغبار أو العفن. تتوفّر أيضًا حُصُر "تاتامي" نابضة بالألوان يمكن استخدامها لإضفاء لمسات رائعة على التصاميم الداخلية.
في الماضي، كانت حُصُر "تاتامي" تغطي في معظم الأحيان أرضية الغرفة بالكامل، ولكن أصبحت الشركات المصنّعة تقدم اليوم أنواعًا جديدة ومبتكرة من حُصُر "تاتامي" يمكن وضعها فوق الأرضيات الخشبية، مما يسمح باستخدامها في زاوية واحدة أو قسم واحد فقط من الغرفة للحصول على مظهر بسيط وأنيق.
يمكن ترتيب حُصُر "تاتامي" غير التقليدية ذات التصميم المربّع بأنماط فريدة ومثيرة للاهتمام. (تم الحصول على الصورة بإذن من Oryza Inc.)
تُصنع حُصُر "تاتامي" من الألياف الاصطناعية وهي تتطلّب صيانة أقلّ وتتميز بألوان وأنماط ملفتة للنظر. (تم الحصول على الصورة بإذن من Oryza Inc.)
أبصر نوع جديد من حُصُر "تاتامي" النور لتلبية الحاجة إلى طريقة سهلة لوضع حُصُر تاتامي فوق الأرضيات الخشبية.
(تم الحصول على الصورة بإذن من bydesign Inc.)
انعكاس الضوء في فن أرضيّة تاتامي
ابتكر بعض حرفيي أرضيّة "تاتامي" طرقًا جديدة لتركيب طبقات "تاتامي"، تسمى "فن تاتامي"، حيث يتم تركيب الحُصُر متعددة الجوانب والمنحنية معًا مثل قطع الأحجية لإنشاء صور فنية أو أنماط هندسية مميّزة.
حُصُر "تاتامي" مصممة لتشبه نمط قشور السمك. (تم الحصول على الصورة بإذن من Kenze Yamada Tatami.)
أصبحت حُصُر "تاتامي" المصممة بأشكال مختلفة بعيدًا عن التصميم المستطيل التقليدي تستحوذ على انتباه أكبر، حتى أصبحت متوفرة ليس فقط في المنازل الخاصة ولكن أيضًا في نُزُل "ريوكان" (النزل اليابانية التقليدية) والمطاعم والمعابد.
تجمع هذه الفكرة بين نمط الحصى و"تاتامي" مستوحاة من أحد أنواع الحدائق اليابانية الذي يسمى "كاريسانسوي "(حديقة جافة). (تم الحصول على الصورة بإذن من Kenze Yamada Tatami.)
تتمتّع حُصُر "تاتامي" بميزة أخرى مثيرة للاهتمام تم استخدامها بذكاء للحصول على تأثير فني رائع تتمثل في تغيّر لونها اعتمادًا على زاوية النظر، ويعود ذلك إلى كيفية عكسها للضوء. تستخدم بعض التصاميم هذه الميزة لتوهم ناظرها باستخدام ألوان مختلفة ومتعددة، في حين تمتاز كل حصيرة في الواقع بنفس اللون بالضبط. تؤثر الاختلافات في طريقة النسج على انعكاس الضوء وتخلق تأثيرات ظلية تبدو وكأنّها معكوسة بحسب زاوية النظر، وتعطي الانطباع بأن الألوان تتغير دائمًا.
وتتوفّر طرق مختلفة استُخدمت فيها مواد "تاتامي" التقليدية لتقديم قيمة فنية جديدة، بدءًا من الزخارف التي تذكرّنا بالحدائق اليابانية وصولاً إلى الصور المذهلة للتنانين.
أرضية مع صورة تنين، تم ابتكارها من خلال جمع مجموعة متعددة من حُصر "تاتامي" معًا. (تم الحصول على الصورة بإذن من Kenze Yamada Tatami.)
عند النظر إليها من الجانب المقابل للغرفة، تظهر الأجزاء الداكنة والأجزاء الفاتحة وكأنها تغيّر مكانها. (تم الحصول على الصورة بإذن من Kenze Yamada Tatami.)
دائمة الحضور وتتغيّر مع تغيّر الزمن
تتوافق حُصُر "تاتامي" تمامًا مع المناخ الياباني وقد استخدمت في منازل هذا البلد لعدة قرون. على الرغم من تراجع الطلب على حُصُر "تاتامي" مع تغير البيئات المعيشية، لا يزال الناس يرغبون في الجلوس والنوم عليها، ويبقى الكثيرون يقدرون شكلها ومظهرها الفريد. ارتقت التطورات الجديدة بحُصُر "تاتامي" لتصبح مواكبة للعصر أكثر فأكثر، وقد نفحت الخصائص الفنية حياةً جديدة فيها، مما يوضح تطور حُصُر "تاتامي" باستمرار لتلبية الطبيعة المتغيرة ومتطلبات العالم الحديث.