حدائق الشرفات: مساحة صغيرة للاسترخاء

في المناطق الحضرية، يعيش الكثير من الأشخاص في شقق أو منازل لا تضمّ حديقة. وفي الأعوام الأخيرة، مع تنوّع أساليب العمل وبحث المزيد من الأشخاص عن طرق لإغناء حياتهم اليومية، لجأ الأشخاص في المدن إلى شرفاتهم كمكان لزراعة النباتات والشعور بالطبيعة على مقربة منهم. بالنسبة إلى الأشخاص الذين لا يمكنهم الوصول إلى حديقة حقيقية، تصبح زراعة حدائق الشرفات أكثر شيوعًا كطريقة للتواصل مع الطبيعة. لنلقِ نظرة على تطوّر هذه الهواية في اليابان.
متعة زراعة الحدائق: هواية متنامية
تغيّرت الحياة اليومية بشكل جذري في اليابان على مدى الأعوام الأخيرة. ونظرًا إلى تغيّر بيئات عمل الأشخاص وشيوع مفاهيم مثل العمل من المنزل وأسابيع العمل المؤلفة من أربعة أيام، يولي الكثير من الأشخاص المزيد من الأهمية للوقت الذي يمضونه في الاسترخاء في المنزل، ولجأ بالتالي عدد كبير منهم إلى زراعة الحدائق كطريقة للاستفادة إلى أقصى حد من هذا الوقت. ومع ذلك، يعيش معظم الأشخاص في المناطق الحضرية فى مبانٍ سكنية أو مجمعات سكنية أخرى مشتركة مع الكثير من الأشخاص الآخرين، لذا يكون المكان الرئيسي لزراعة الحدائق هو الشرفة أو البلكون الملحق بشقتهم. تكون الشرفة عادةً صغيرة جدًا، لكن بالنسبة إلى اليابانيين وثقافة تقدير تبدّل الفصول من خلال النباتات والزهور، فإنها توفّر مكانًا للاسترخاء واستعادة النشاط والاستمتاع بتأثيرات الطبيعة المهدئة.
زراعة حدائق الشرفات وجذورها التي تعود إلى فترة إيدو
لطالما شكّل دمج الطبيعة مع المنزل والاستمتاع بذلك جزءًا من الثقافة اليابانية، بدءًا من الاعتناء بشجر البونساي المزروعة في الأواني وصولاً إلى حدائق تسوبو-نيوا الصغيرة النصف الداخلية والنصف الخارجية المزروعة في وسط منازل الأشخاص. ابتداءً من القرن الثامن عشر، بدأت ثقافة زراعة الحدائق تنتشر بشكل متزايد بين عامة الشعب، بما في ذلك الأشخاص الذين عاشوا في منازل متلاصقة في ذلك الوقت، تُسمّى ناغايا، التي كانت ضيّقة ومزدحمة. نتيجةً لذلك، أصبحت النباتات المزروعة في أوانٍ أكثر شيوعًا، وحتى أنها ظهرت في اللوحات الخشبية أوكيو-إي من تلك الفترة. وازدادت في هذه الفترة شعبية زهرة واحدة وهي مجد الصباح التي أصبحت علامة مميزة ومحبوبة لفصل الصيف ولا يزال من الشائع رؤيتها في الكثير من المنازل حتى اليوم.
لوحة محاكاة ساخرة حول هاتشي نو كي للفنان أوتاغاوا تويوكوني الأول (1769-1825) من مجموعة كلارنس باكنغهام في معهد الفن في شيكاغو.
تُظهر لوحة أوكيو-إي هذه نباتات البونساي من شجر الصنوبر والخوخ والكرز.
لوحة شينبان ويكي زوكوشي للفنان أوتاغاوا يوشيتورا، من قاعدة بيانات الصور في مكتبة البرلمان الوطني. تُظهر لوحة أوماشا-إي هذه (وهي لوحة خشبية مخصصة للأطفال) مجموعة متنوعة من النباتات المزروعة في أوانٍ من تلك الفترة.
مكان للاسترخاء والانسجام مع الطبيعة
لا يزال اليوم من الشائع رؤية بعض النباتات التي لطالما كانت شائعةً في اليابان، مثل مجد الصباح في الصيف والوستارية في الربيع، في الكثير من حدائق الشرفات، لكن الأشخاص لا يستخدمون هذه المساحة للزهور فحسب؛ بل يحب بعض الأشخاص تربية الأسماك الصغيرة مثل سمك الأرز والسمك الذهبي في أوانٍ كبيرة أو أحواض مياه يزيّنونها بالنباتات المائية. يضفي هذا لمسةً إضافيةً من الأناقة، ويتيح الاستمتاع بروائع الطبيعة بحق. بالإضافة إلى ذلك، لرؤية النباتات المائية العائمة والأسماك المندفعة تأثير مهدّئ وهي تضفي على المكان شعورًا منعشًا في الصيف.
أمثلة عن الشرفات المزيّنة بالزهور اليابانية مثل الوستارية.
يمكن لأحواض الأسماك إلى جانب النباتات أن تجعل شرفتك مميزةً أكثر.(.fuga7207 نم نذإب ةروصلا ىلع لوصحلا مت)
يربّي الكثير من الأشخاص سمك الأرز في أوانٍ كبيرة.
بدأ عدد متزايد من الأشخاص أيضًا بزراعة النباتات المتسلقة لإنشاء ما يُسمّى بـ "الستائر الخضراء" لحجب أشعة الشمس في الصيف. وإحدى النباتات التي تشتهر لهذا الغرض بشكل خاص هو خضار يُسمّى غويا (القرع المر)، لأنه سهل الزراعة ويمكنك تناول ثماره، لكن يمكن أيضًا زراعة نباتات متسلقة أخرى مثل مجد الصباح بهذه الطريقة. لا توفّر الستائر الخضراء الظل فحسب، بل يمكنها أيضًا المساعدة في تبريد محيطها من خلال تحويل المياه التي تمتصها جذورها إلى بخار، ما يبدد بعض الحرارة من الهواء القريب منها. في الأعوام الأخيرة، ارتفعت درجات الحرارة في الصيف في المناطق الحضرية، ومع بحث الأشخاص عن أي طريقة بسيطة لتجنب الحر في حياتهم اليومية، تشهد زراعة الستائر الخضراء اهتمامًا متناميًا. في النهاية، إنها طريقة جيدة لاستخدام شرفتك بشكل عملي ولتعزيز جماليتها وجاذبيتها أيضًا. كل ما في ذلك جميل
يمكن للستائر الخضراء المزروعة من نباتات مثل غويا وزهور مجد الصباح أن تؤدي دور واقيات رائعة من الشمس، كما أن زراعتها سهلة أيضًا، لذا لا عجب في أنها شائعة.
من المؤكد أن الأشخاص لا يزرعون هذه النباتات اليابانية التقليدية العريقة على شرفاتهم فحسب. تُعدّ النباتات العصارية التي لا تحتاج إلى الكثير من الاعتناء مثل الصبار وأنواع معيّنة من الأعشاب (التي لا تجذب الحشرات!) خيارات شائعة أيضًا، خاصة بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعيشون أسلوب حياة مثقل بالأعمال ويريدون دمج الطبيعة في حياتهم من دون أن يتطلب ذلك الكثير من وقتهم الثمين.
غرف المعيشة والشرفات الخضراء الهادئة
مع تزايد عدد الأشخاص الذين يبحثون عن طرق لجعل منازلهم أكثر راحة، يشكّل اعتبار الشرفة امتدادًا لغرفة المعيشة إحدى صيحات التصميم الداخلي الحديثة، ما يضفي على المساحة بكاملها شعورًا بالانفتاح. أما وضع مجموعة متنوّعة من نباتات الزينة في الداخل وعلى الشرفة، مع أرضية مطابقة، فيمكنه أن يجعل غرفة المعيشة تبدو وكأنها تمتد عبر النافذة، ما يدمج الطبيعة أكثر مع المنزل، وهو مظهر يتوق إليه الكثير من عشّاق الطبيعة.
إن وضع النباتات في الداخل وعلى الشرفة يضفي الشعور بالرحابة والراحة. (تم الحصول على الصورة بإذن من شركة Actus. )
شرفة مع صف من النباتات المزروعة في أوانٍ كبيرة. يمكنك نقل النباتات المماثلة إلى الداخل أو تغيير مواقعها حسب الفصل. (.sugimoto noriko نم نذإب ةروصلا ىلع لوصحلا مت)
يُعدّ الجلوس على كرسيّك المفضل وقراءة كتاب أو ارتشاف الشاي بينما تحيط بك النباتات طريقةً جميلةً للاسترخاء وللشعور بالراحة بعيدًا عن صخب حياة المدينة.
كانت زراعة الحدائق مرتبطةً أكثر بالنظر إلى النباتات والاستمتاع بمظهرها، لكن في اليابان الحديثة، تحوّل التركيز إلى ابتكارات عملية ومراعية للبيئة مثل الستائر الخضراء، بالإضافة إلى طرق استخدام النباتات لجعل منزلك مريحًا أكثر. إن زراعة حدائق الشرفات في المناطق الحضرية في اليابان هي هواية متنامية لا تظهر أي إشارات على التراجع.