عمالقة صِغار: سيارات كي المدمجة في اليابان

تُظهر أصغر السيارات في اليابان كيف يمكن للتصميم الذكي أن يجعل الحياة اليومية أسهل، ويمهد الطريق في الوقت ذاته نحو مستقبل أنظف وأكثر استدامة.

عندما تفكر في السيارات اليابانية، ربما تتبادر إلى ذهنك الطرازات الرياضية الأسطورية، أو ربما تفكر في السيارات الهجينة المستقبلية. لكن في اليابان، بعض أكثر السيارات شعبية هي في الواقع أصغر السيارات. تُعرف هذه السيارات باسم كي (أي خفيفة الوزن)، وهي سيارات صغيرة ومربعة الشكل وذات شخصية متفردة. تسهم هذه السيارات في أداء مهام الحياة اليومية، بدءًا من المشاوير القصيرة إلى رحلات التوصيل في المناطق الريفية، وتتميز كذلك بكونها خيارًا اقتصاديًا موفرًا بفضل انخفاض الضرائب المفروضة عليها وأقساط تأمينها وتكلفة وقودها.

ما المقصود بسيارات كي؟

ظهرت سيارات كي لأول مرة عام 1949 لتخفيف أعباء قيادة السيارات لمعظم الأسر، وهي الآن أصغر فئة من سيارات الركاب المسموح بقيادتها على الطرق السريعة. وحتي تتأهل سيارة للانضمام إلى هذه الفئة، يجب ألا يتجاوز طولها 3.4 أمتار، وعرضها 1.48 مترًا، وارتفاعها مترَين اثنين، ويجب أن تعمل بمحرك بسعة 600 سنتيمترًا مكعبًا (cc) أو أقل. وعلى سبيل المقارنة، فإن سيارة هوندا سيفيك هاتشباك يزيد طولها عن سيارات كي بمتر تقريبًا ويزيد عرضها عنها بثلاثين سنتيمترًا. ولا تقتصر هذه الفئة على السيارات الهاتشباك الصغيرة، بل تشمل كذلك سيارات النقل الصغيرة (كيتورا) والشاحنات الصغيرة (كي-فان) التي يشيع استخدامها في أعمال المزارع وخدمات التوصيل.

شعبية السيارات الصغيرة

نظرًا إلى ارتفاع الكثافة السكانية في اليابان وتضاريسها الجبلية، فقد بُنيت العديد من المدن فيها بطُرق ضيقة ومواقف سيارات محدودة المساحة. وهذا هو ما منح سيارات كي شعبيتها الكبيرة. فحجمها الصغير وهياكلها القصيرة وأسقفها المرتفعة تحقق أقصى استفادة من المساحات الصغيرة. كذلك تتيح المقاعد القابلة للطي تحويل مقصورة السيارة إلى مساحة تخزين مصغرة للصناديق أو عربات الأطفال أو مشتريات البقالة. كذلك تساعد دائرة الانعطاف الصغيرة على صفّ السيارة في أي مكان، وتتيح أبوابها المنزلقة للركاب النزول دون الاصطدام بالجدران أو السيارات المجاورة. وإذا ما أضيف إلى هذه الميزات انخفاض تكاليف تشغيلها، وحجمها الصغير وأثرها البيئي المحدود، ندرك سبب اكتساب سيارات كي مكانتها كوسيلة انتقال لا غنى عنها في الاستخدام اليومي للآباء والأمهات والمزارعين وسائقي التوصيل.

كان لهذه الميزة العملية دور محوري منذ بداية ظهور هذه السيارات. وفي أواخر خمسينيات القرن الماضي، كان بإمكان الطرازات الأولى من سيارات كي حمل نحو 350 كيلوغرامًا (770 رطلاً تقريبًا)، وهي حمولة ممتازة مقارنة بحجمها. وقد أدت شعبية تلك السيارات إلى سعي الشركات الأخرى لتطوير طرازاتها الخاصة منها. وما يزال أحد هذه الطرازات الأولى -الذي ظهر عام 1960- قيد الإنتاج إلى اليوم باعتباره أحد أطول سلاسل الإنتاج المستمرة من سيارات كي. ومنذ تلك البدايات، ظلت سيارات كي من أكثر السيارات شعبية في اليابان. واليوم، صارت سيارة مثل N-Box من هوندا الطراز الأكثر مبيعًا في البلاد، حيث احتلت صدارة مبيعات السيارات الجديدة على مدار ثلاث سنوات متتالية حتى عام 2024 الذي بيع فيه أكثر من 206 ألف سيارة من هذا الطراز.

رواج عالمي تكتسبه سيارات كي

بدأت سيارات كي في جذب محبيها في كل مكان خارج اليابان. ففي أوروبا، أنشأت بعض المدن مناطق "منخفضة الانبعاثات" تدفع فيها السيارات عالية التلوث رسومًا إضافية أو حتى تمنع من دخولها. وقد زادت هذه الإجراءات من الاهتمام بالسيارات ذات حجم كي باعتبارها خيارات ميسورة التكلفة وصديقة للمدن في الاستخدامات اليومية. كذلك في أماكن أخرى، صارت شاحنات كي، مثل سوزوكي كاري، من السيارات واسعة الانتشار في أعمال الزراعة.

ابتكارات سيارات كي، والطريق نحو الاستدامة

نظرًا إلى استهلاك السيارات الصغيرة كميات أقل من الخامات والطاقة، تؤدي سيارات كي دورًا مهمًا في التزام اليابان بالوصول إلى الحياد الكربوني عام 2050. وللمساعدة في تحقيق هذا الهدف، تزوّد شركات صناعة السيارات سيارات كي بالتقنيات الكهربائية والذكية. ويتجلى هذا التحول في طرازين، وهما: نيسان ساكورا، وهي من سيارات كي الكهربائية السائدة، وسيارة تويوتا C+pod، وهي طراز أصغر حجمًا مصمم خصيصًا للمدن.

يبلغ مدى قيادة نيسان ساكورا -أول طراز كهربائي بالكامل من سيارات كي- 180 كيلومترًا، وتأتي مزودة بميزات متطورة مثل ProPILOT وهو نظام صفّ أوتوماتيكي يؤدي كل المناورات اللازمة لصفّ السيارة بدلاً من السائق بضغطة زر واحدة. أما سيارة تويوتا C+pod فقد انتقلت بمفهوم سيارات كي إلى آفاق أبعد، إذ يبلغ طول السيارة 2.49 مترًا، وعرضها 1.29 مترًا، وارتفاعها 1.55 مترًا، ويتيح لها حجمها الصغير هذا استهلاك طاقة بطارية أقل وفي الوقت ذاته الوصول إلى مدى قيادة يبلغ 150 كيلومترًا في الشحنة الواحدة الكاملة.

دور سيارات كي في رسم ملامح المستقبل

تُظهر سيارات كي اليابانية كيف يمكن للابتكار -ولو كان صغيرًا- أن يدفع نحو تحقيق تغيرات كبيرة من أجل مستقبل أنظف وأكثر استدامة. وما بدأ في اليابان كوسيلة لتحقيق الكثير من المنافع بأبسط المتطلبات، صار اليوم وسيلة ترسم ملامح صناعة سيارات المدن الصغيرة على مستوى العالم كله، ما يثبت أن الابتكارات الصغيرة قد تُحدث تأثيرًا عالميًا.