الأعشاب البحرية: غابات المحيط الصالحة للأكل

 صور للأعشاب البحرية

   نظرًا إلى أن اليابان محاطة بالمحيط، فمن غير المستغرب أن تكون ثقافته الغذائية مشبعة بالكثير من أنواع الأعشاب البحرية المختلفة. على سبيل المثال، لفائف السوشي اليابانية ("ماكي-زوشي")، المشهورة في كل أنحاء العالم، المغلفة بأوراق من أعشاب المرحضة البحرية المجففة التي تُسمّى "نوري". والأنواع أخرى من الأعشاب البحرية التي تظهر بشكل بارز في المطبخ الياباني هي "كومبو" التي يتم استخدامها في تحضير مرقة معروفة باسم "داشي"؛ و"هيجيكي" التي يتم طهوها عادةً في صلصة الصويا ونبيذ الأرز الحلو "ميرين"؛ و"واكامي"، التي تُستخدم بشكل شائع في زينة حساء ميزو.

تحتوي لفائف السوشي "ماكي-زوشي" على سمك نيء وعجة بالأسلوب الياباني وأرز بالخل، كلها مغلفة بالأعشاب البحرية المجففة "نوري".

يتم استخلاص طعم العشب البحري "كومبو" بغليه لتحضير مرقة يتم استخدامها في الكثير من الأطباق اليابانية المختلفة.

يُعدّ العشب البحري "هيجيكي" المطهو مع فول الصويا في صلصة الصويا والسكر و "ميرين" وجبةً أساسيةً في معظم المنازل اليابانية.

ييُعدّ حساء ميزو مع العشب البحري "واكامي" والتوفو طعام فطور شائعًا في اليابان.

تاريخ الأعشاب البحرية العريق كمكوّن صحي ومغذٍّ في المطبخ الياباني

   يتميّز الشعب الياباني بتاريخ عريق من تناول الأعشاب البحرية. لدرجة أن الأعشاب البحرية، وبحسب نص ياباني عمره 1200 عام، كانت تُقدم كهدية إلى البلاط الإمبراطوري. بالإضافة إلى ذلك، إن الأعشاب البحرية "كومبو" و"نوري" و"هيجيكي" و"واكامي" هي من المأكولات المقدمة إلى الآلهة كجزء من الممارسات الدينية في ديانة شنتو. يتم تناول طبق "كومبو-ماكي" المؤلف من سمك الرنكات المطهو ذي الطعم المالح والحلو والمغلف بالعشب البحري "كومبو" كجزء من احتفالات رأس السنة اليابانية، إذ يُعتقد أنه يقدّم صحةً جيدةً في السنة القادمة. وتُظهر لنا التقاليد المماثلة الدور الرئيسي الذي أدته الأعشاب البحرية في حياة اليابانيين على مدى قرون، ومدى تقدير الشعب الياباني موارد المحيط الثمينة هذه.

   يُعتقد أيضًا أن الأعشاب البحرية تشكل عاملاً مساهمًا في متوسط العمر المتوقع الطويل للشعب الياباني، بما أنها قليلة السعرات الحرارية وغنية بالفيتامينات والمعادن والألياف.

يمثّل طبق "كومبو-ماكي" الكلاسيكي في رأس السنة في اليابان الصحة وطول العمر.

كجزء من احتفالات رأس السنة اليابانية، يتم تحضير عدد من الأطباق في علب مزخرفة ومتعددة الأقسام يتم تناولها مع العائلة. ويُعتقد أن هذه الأطباق، المعروفة باسم "أوسيتشي-ريوري"، تمثّل فأل خير مختلفًا للسنة القادمة، ويُعدّ "كومبو-ماكي" طبقًا أساسيًا.

   يتم حصاد أنواع مختلفة من الأعشاب البحرية في أوقات مختلفة من السنة، فيتم حصاد "واكامي" و"هيجيكي" في الربيع، و"كومبو" في الصيف، و"نوري" في الشتاء. ويتم تجفيف الأعشاب البحرية المحصودة وتمليحها، بحيث يمكن تخزينها لفترات طويلة من الوقت. وبسبب فترة صلاحيتها الطويلة، تم توزيع الأعشاب البحرية واستخدامها في كل أنحاء اليابان قبل اختراع تكنولوجيا التبريد بفترة طويلة.

يتم بسط الأعشاب البحرية "كومبو" التي تم جمعها حديثًا لتجفّ على الشاطئ. ويمكن أن يبلغ طول قطع "كومبو" أكثر من 10 م. يتم مدّ كل ورقة يدويًا لإزالة أي طيّات. (تم الحصول على الصورة بإذن من الاجتماع الإستراتيجي الإقليمي لمنطقة نيتان التي تضم مقاطعتَي إيبوري وهيداكا.)

الأعشاب البحرية "واكامي" التي تم جمعها حديثًا. تتم اليوم زراعة معظم الأعشاب البحرية "واكامي" بدلاً من الحصوب عليها في الطبيعة. في الواقع، لا تشير كلمة "واكامي" سوى إلى الأوراق العليا الطرية. أما الأوراق الأقسى التي تكون أقرب إلى الجذور، والمعروفة باسم "ميكابو"، فيتم تحضيرها لتناولها عن طريق تقطيعها بشكل ناعم لإخراج العصائر الطبيعية منها. (تم الحصول على الصورة بإذن من محافظة إيواته.)

جمع الأعشاب البحرية "هيجيكي". تنمو الأعشاب البحرية "هيجيكي" في المناطق الساحلية، لذا يتم جمعها عادةً دفعةً واحدة عندما يكون المدّ في أدنى مستوياته. (تم الحصول على الصورة بإذن من مكتب الصناعات البحرية في بلدة تاتياما في محافظة تشيبا.)

الأعشاب البحرية اليابانية في العالم

   استمر دور الأعشاب البحرية في التطور في الثقافة الغذائية اليابانية في الأعوام الأخيرة.

   على سبيل المثال، إن " أكاموكو" هو نوع من الأعشاب البحرية التي لم يكن يتم تناولها إلا في مناطق معيّنة من اليابان حتى مؤخرًا، ولم يكن يسمع بها أحد تقريبًا في أماكن أخرى. إلا أنه تم مؤخرًا اكتشاف أن القيمة الغذائية الخاصة بالعشب البحري "أكاموكو" تفوق بكثير الأنواع الأخرى من الأعشاب البحرية بسبب وفرة المعادن والألياف والفوكويدان. في هذه الأيام، يتم تسويقه كغذاء فائق الجودة، ويتم شراؤه بكثرة نتيجةً لذلك.

إن "أكاموكو" هو نبات سنوي ينمو بشكل طبيعي في المناطق الساحلية حول الجزر الأربع الرئيسية في اليابان. ويتم جمعه من البحر بواسطة قوارب حاصدة. (تم الحصول على الصورة بإذن من شركة Akamoku Production Cooperative في محافظة إيواته.)

يصبح لون العشب البحري "أكاموكو" أخضر ويطلق مادة لزجة عندما يتم سلقه في المياه. ويمكن تناوله بعدد من الطرق المختلفة، بما في ذلك كمكوّن في الحساء وأطباق الشعيرية والسلطات، أو مخبوز في الخبز.

   في عالم الطهو، يستكشف الطهاة طرقًا لتحديد الخصائص الفريدة لمختلف أنواع الأعشاب البحرية، ويستخدمونها لابتكار تجارب طعم جديدة. ولاحظ بعض الطهاة التطور البسيط في طريقة تناول الأعشاب البحرية، بالرغم من أنه يُعتقد أن المحيطات حول اليابان تحتوي على حوالى 1500 نوع مختلف من الأعشاب البحرية. ويعتقدون أنه يمكن استخدام الأعشاب البحرية، مع النوع المناسب من مهارات الطهو، لتوسيع آفاق الطهي.

   تشمل بعض الأمثلة على ذلك خلط العشب البحري "سوجياو-نوري" العطري مع حليب الصويا لتحضير التوفو، وتخمير الأعشاب البحرية لتحضير حساء ميزو بنكهة مختلفة من دون فول الصويا، وحتى إضافة نكهة الأعشاب البحرية إلى الحليب وتحضير المثلجات منه. من خلال ابتكار طرق جديدة للاستمتاع بالأعشاب البحرية، ليس فقط في المأكولات اليابانية، بل في المأكولات العالمية أيضًا، يرغب بعض الطهاة في رؤية زيادة في أنواع الأعشاب البحرية التي يستهلكها الأشخاص وكمياتها، ويأملون في زيادة إمكانيات استخدام الأعشاب البحرية في الطهو أيضًا.

مقبلات تم تحضيرها باستخدام الأعشاب البحرية "أتسوبا أوسا". بعد قلة استخدامها في المطبخ الياباني في السابق، بدأت إمكانيات الأعشاب البحرية تكتسب اهتمامًا كبيرًا من الطهاة باعتبارها مكوّنًا.
(تم الحصول على الصورة بإذن من ناتالي كانتاكوزينو، شركة SEA VEGETABLE.)

   يبدو أيضًا أن الأعشاب البحرية توفّر الكثير أيضًا من الإمكانيات في مجال الحفاظ على البيئة العالمية. جذبت هذه الأعشاب الاهتمام في كل أنحاء العالم لدورها في تخزين ثاني أكسيد الكربون بوصفه "كربون أزرق"، ويدرّس العلماء طريقة استخدامها كمصدر للطاقة من الكتلة الحيوية بهدف توليد الكهرباء.

   في اليابان، يستكشف العلماء طرقًا لزراعة الأعشاب البحرية العالية الجودة على الأرض كوسيلة للحد من تأثير زراعة الأعشاب البحرية على البيئة، ويتوفر أيضًا عدد من المبادرات التي تسعى إلى الاستفادة إلى أقصى حد من الأعشاب البحرية في مجالَي الصناعة والصحة.

   ثمة أكثر من 10000 نوع من الأعشاب البحرية في أنحاء العالم، ويمكن الحصول عليها في الأجزاء الضحلة نسبيًا من المحيط. بالرغم من ذلك، لم يتم استخدامها أبدًا بشكل مناسب في معظم أنحاء العالم. في اليابان، حيث يتم تقدير الأعشاب البحرية منذ العصور القديمة، من المتوقع أن تؤدي دورًا في حلّ مشكلة نقص الأغذية، ويبدو أن شعبيتها ستستمر في الانتشار في كل أنحاء العالم.