ظاهرة شخصيات الفيديو الافتراضية (VTuber) اليابانية: نجوم افتراضيون يصنعون أثرًا إيجابيًا في العالم الواقعي
الصورة مُهداة من ©江戸レナ EdoLena
تعرّف على امتداد تأثير شخصيات الفيديو الافتراضية اليابانية إلى خارج حدود العالم الافتراضي، وإسهامها في مجالات متعددة بدءًا من الابتكارات التعليمية وحتى السلامة المرورية.
شخصيات الفيديو الافتراضية (VTubers) هي فنانون يقدمون عروضهم عبر الإنترنت باستخدام شخصيات رقمية تجمع بين ثقافة الأنمي اليابانية الثرية والتقنيات المتطورة للوصول إلى جمهورهم وتقديم عروض ترفيهية له. وقد بدأ هذا النوع من الفنون كشكل مختلف من أشكال الترفيه عبر الإنترنت، وتطور إلى أن أصبح ظاهرة عالمية تعيد صياغة الطريقة التي يتفاعل بها أفراد الجمهور مع المواد الإعلامية ويبنون علاقاتهم بها. وقد امتد تأثير تلك الشخصيات في اليابان إلى أبعد من المجال الترفيهي، فوصل إلى مجالات أخرى كالتعليم ومواد التواصل الحكومية والتوعية بالأمن والسلامة.
نشأة شخصيات الفيديو الافتراضية وتطورها عالميًا
بدأت ظاهرة شخصيات الفيديو الافتراضية في اليابان خلال العِقد الثاني من الألفية (بين عاميّ 2010 و 2019)، وهي مزيج من كلمتَي "افتراضي" (virtual)، أي المُنشأ عن طريق الكمبيوتر، و"يوتيوبر" (YouTuber) ، أي الشخص الذي يُنشئ محتوى على منصة يوتيوب. وتعتمد شخصيات الفيديو الافتراضية على البث المباشر باستخدام شخصيات افتراضية، عادةً تكون على نمط شخصيات الأنمي اليابانية، للتفاعل مع مشاهديهم. ويُطلق على هذا النشاط اسم "بث الشخصيات الافتراضية" (VTubing). ويلجأ بعض فناني الشخصيات الافتراضية في اليابان إلى استخدام معدِّلات صوت تمنحهم نبرة تناسب شخصياتهم على الإنترنت، أو يرتدون بدلات متطورة تتعقب حركات أجسامهم، ما يتيح للشخصيات الرقمية محاكاة تحركاتهم الحقيقية. ومع هذا، لا تكون هذه الشخصيات الافتراضية شخصيات بشرية بالضرورة، بل بعضها يظهر على هيئة حيوانات أو روبوتات أو كائنات أسطورية، وكل هذا بفضل الإمكانات غير المحدودة لوسائل التعبير عن الذات التي يتيحها العالم الافتراضي.
لا تقتصر شخصيات الفيديو الافتراضية على الشخصيات البشرية، بل منها على سبيل المثال تميمة مدينة ساكاي التي تصوِّر الكلب ساكاي هويامارو المحقِّق.
لا تقتصر شخصيات الفيديو الافتراضية على الشخصيات البشرية، بل منها على سبيل المثال تميمة مدينة ساكاي التي تصوِّر الكلب ساكاي هويامارو المحقِّق.
بعض فناني شخصيات الفيديو الافتراضية لهم قواعد جماهيرية يصل عددها إلى الملايين، ومع النمو الذي يشهده هذا المجال تتزايد الاحترافية المرتبطة به في اليابان؛ فهناك وكالات كبرى تساعد أولئك الفنانين للوصول إلى جمهور في مختلف أنحاء العالم وإدارة مواهبهم وتوظيف فنانين لبناء شخصيات رمزية مخصصة لهم والاستثمار في المعدات التقنية المتقدمة المستخدمة وإنتاج محتوى متعدد اللغات. وقد أدى هذا التحول إلى الارتقاء بفن شخصيات الفيديو الافتراضية من مجرد هواية إلى واحدة من صادرات اليابان الحديثة الأكثر جاذبية. بل أشارت نتائج بعض استطلاعات الرأي إلى أن العمل في وظيفة أحد شخصيات الفيديو الافتراضية من أبرز وظائف الأحلام للأطفال اليابانيين في سن المدرسة.
أصبحت كيه إيه إف (KAF) أول فنانة من فناني شخصيات الفيديو الافتراضية تقيم حفلاً موسيقيًا منفردًا في صالة نيبون بودوكان الشهيرة، وبيعت تذاكر الحفل كاملة لجمهور بلغ عدده 7000 شخص.
أصبحت كيه إيه إف (KAF) أول فنانة من فناني شخصيات الفيديو الافتراضية تقيم حفلاً موسيقيًا منفردًا في صالة نيبون بودوكان الشهيرة، وبيعت تذاكر الحفل كاملة لجمهور بلغ عدده 7000 شخص.
شخصيات الفيديو الافتراضية في اليابان ودورها في التعليم
يتناول المحتوى الذي تبثه شخصيات الفيديو الافتراضية مجموعة واسعة من المجالات؛ منها الدردشة أو سرد القصص أو لعب ألعاب الفيديو أو الغناء أو الرسم، أو حتى مجرد قضاء الوقت مع الجمهور. وفي الآونة الأخيرة، أصبح عدد متزايد من شخصيات الفيديو الافتراضية في اليابان يخصصون منصاتهم للتعليم. ويقدم أولئك الفنانون جلسات بث مباشر أو دروسًا مسجلة حول موضوعات تتراوح من العلوم المبسطة ودروس اللغة اليابانية، إلى الشؤون السياسية والرياضيات المتقدمة. ويساعد فنانو شخصيات الفيديو الافتراضية من ذوي الخلفيات الأكاديمية جمهورهم على التعلُّم بطرق مُسلية بعيدة عن النمط الرسمي، ويقدمون محتواهم بشكل مألوف وأكثر سهولة من قاعات الدراسة التقليدية.
كوماربا شخصية رمزية افتراضية مُصممة لتعليم الأطفال. الصورة مُهداة من ©Akatsuki Media Studio Inc.
بدأت بعض المؤسسات التعليمية في اليابان في تجريب المحتوى التعليمي الذي تقدمه شخصيات الفيديو الافتراضية في مختلف المستويات الدراسية. ويتميز هذا النهج بأنه جذاب بوجه خاص للطلاب الذين يجدون سهولة أكبر في التعلُّم من خلال المنصات الرقمية مقارنة بالأساليب التقليدية في الصفوف الدراسية. ورغم أن ظاهرة شخصيات الفيديو الافتراضية ما تزال محدودة الانتشار، فإنها تمثل وسيلة واعدة لإحداث أثر إيجابي في حياة الكثير من الطلاب ومسيرتهم التعليمية، من خلال تقديم المعلومات بأسلوب يمنحهم شعورًا أكبر بالراحة، سواء في المؤسسات التعليمية أو حتى في الدروس الخاصة.
شخصيات افتراضية من جامعات خارج البلاد توضح مدى انتشار الظاهرة عالميًا.
شخصيات افتراضية من جامعات خارج البلاد توضح مدى انتشار الظاهرة عالميًا.
أداة ترويجية جديدة لمقاطعات اليابان ومؤسساتها
امتدت الاستعانة بشخصيات الفيديو الافتراضية إلى الحكومات المحلية في اليابان باعتبارها وسيلة للوصول إلى شريحة جديدة من الجمهور. وقد أنشأت بعض تلك الحكومات شخصيات فيديو افتراضية أصلية تمثل مدنها وبلداتها. ويؤدي أولئك "السفراء الرقميون" دورًا مهمًا في تسليط الضوء على المناطق التي يمثلونها، من خلال التعريف بمعالم الجذب السياحي فيها والتوعية بتاريخها والترويج للسياحة إليها. وتحظى هذه الشخصيات بشعبية واسعة وارتباط وثيق مع الأجيال الشابة، ما يجعلها وسيلة فعّالة للتواصل مع الجمهور.
تسوكوشي-سان السفيرة السياحية الافتراضية لمقاطعة سايتاما.
تسوكوشي-سان السفيرة السياحية الافتراضية لمقاطعة سايتاما.
يعبر الاستخدام الإبداعي للشخصيات الافتراضية عن توظيف اليابان لثقافتها الشعبية ومواهبها الرقمية للوصول إلى جمهور أوسع والتفاعل معه.
إسهامات شخصيات الفيديو الافتراضية في السلامة العامة
تُستخدم شخصيات الفيديو الافتراضية أيضًا في اليابان لزيادة الوعي بمفهوم السلامة، مثل السلامة المرورية والاستعداد للزلازل والوقاية من الحرائق؛ إذ إن التواصل بطريقة واضحة ومؤثرة من العناصر الضرورية في الاستعداد لمواجهة الكوارث الطبيعية. ولهذا الغرض شكّلت شخصيات الفيديو الافتراضية جزءًا من حملات التعريف بإجراءات الإخلاء، أو تذكير الجمهور بقواعد السلامة المرورية، أو التوعية بكيفية الاستجابة لحالات الطوارئ.
ميناميتشان، الشخصية الافتراضية لقسم إطفاء ميناميفي مقاطعة ناغويا، تعرّف الجمهور بكيفية تجهيز منازلهم لمواجهة الكوارث الطبيعية.
ميناميتشان، الشخصية الافتراضية لقسم إطفاء مينامي في مقاطعة ناغويا، تعرّف الجمهور بكيفية تجهيز منازلهم لمواجهة الكوارث الطبيعية.
مع أن هذه الشخصيات الافتراضية قد لا تنال استحسان الجميع، فإنها مع ذلك تجذب أعدادًا متزايدة من الجمهور الذين يتفاعلون جيدًا مع وسائل الإعلام الرقمية ويفضلون هذه الطريقة من التواصل. وبذلك أصبح استخدام شخصيات الفيديو الافتراضية إحدى القنوات الجديدة المتعددة التي توظفها الهيئات والجهات الحكومية اليابانية لعرض المعلومات المهمة لأكبر عدد ممكن من المتلقين.
آفاق المستقبل لشخصيات الفيديو الافتراضية
لم يعد اتساع شهرة شخصيات الفيديو الافتراضية في اليابان مقتصرًا على صناعة الترفيه، بل أصبحت هذه الظاهرة في اليابان عاملاً مساعدًا في بناء المجتمعات الفاعلة ودعم التعليم والترويج للمناطق المحلية ونشر المعلومات المهمة. ومع تطور هذا المجال، تزداد قدرته على التأثير في الحياة بما يتجاوز العالم الرقمي. وما بدأ في اليابان كهواية محدودة الانتشار، نما اليوم ليتحول إلى ظاهرة عالمية تجمع بين الإبداع والتعلُّم والتواصل لملايين الأشخاص، ما يشير إلى التأثير الإيجابي الهائل لهذه الظاهرة على العالم الواقعي.