كيف تغيّر روبوتات وتقنيات الحضور عن بُعد شكل الحياة في اليابان

كيف تغيّر روبوتات وتقنيات الحضور عن بُعد شكل الحياة في اليابان

تعيد روبوتات الحضور عن بُعد - في المدارس و المستشفيات ومختلف المجالات- صياغة الطريقة التي يباشر بها الناس العمل والدراسة والتواصل فيما بينهم، إذ تساعدهم في التغلب على تحديات الحضور الفعلي للأشخاص في مجال التعليم والعمل والرعاية الصحية وغيرها من المجالات.

تخيّل أن تذهب إلى المدرسة وتتبادل الحديث مع أصدقائك، ثم ربما تذهب إلى مقهى لتعمل، أو تتوجه إلى متجر بقالة، كل هذا وأنت في فراشك. فبفضل تقنية روبوتات الحضور عن بُعد في اليابان، لم يعد ذلك من قبيل الخيال. فالأشخاص الذين لا يستطيعون مغادرة منازلهم، أو المقيدين عن الحركة بسبب المرض أو الإعاقة أو حتى لمجرد صعوبة التنقل، أصبحت أمامهم طرق جديدة للتفاعل مع المجتمع من حولهم مثل أي شخص آخر بفضل هذه التقنية.

مع تطور هذه التقنية، ستساعدنا روبوتات الحضور عن بُعد في التغلب على القيود المادية، بما يسمح لنا بإنجاز مهام، وتجاوز الحدود المألوفة على نحو لم نكن نتصوره في الماضي!

ما المقصود بروبوتات الحضور عن بُعد؟

الحضور عن بُعد هي ترجمة الكلمة الإنجليزية "Telepresence" المكونة من جزأين هما "tele" (أي البعيد) و"presence" (أي الحضور)، ومعناهما معًا القدرة على التفاعل مع مكان ما أو تجربته عن بُعد كما لو كنت موجودًا فعليًا فيه. فعلى سبيل المثال، تتيح لك مكالمات الفيديو رؤية الأصدقاء والحديث معهم آنيًا حتى ولو كنت في مكان مختلف، وهذا هو الشكل الأساسي للحضور عن بُعد.

تأتي روبوتات الحضور عن بُعد بجميع الأشكال والأحجام، وتُستخدم في الكثير من الأماكن في مختلف المجالات. (الصورة مهداة من ⒸOryLab Inc.)

تأتي روبوتات الحضور عن بُعد بجميع الأشكال والأحجام، وتُستخدم في الكثير من الأماكن في مختلف المجالات. (الصورة مهداة من ⒸOryLab Inc.)

يكتسب مفهوم الحضور عن بُعد مزيدًا من الحيوية عند إضافة الروبوت. والروبوت هنا مصطلح واسع، وربما قد يجعلك تفكر في صور العمالقة الذين يقاتلون الوحوش، أو شخصيات آلية مصنوعة من الكروم اللامع، ولكن الواقع أبسط من هذا بكثير. ويتكون كل روبوت من ثلاثة مكونات أساسية: المستشعرات (للحصول على المعلومات)، والبرمجة (لمعالجة المعلومات)، والمشغِّلات (لأداء الأفعال). ويعني هذا أن الروبوتات تأتي بمختلف الأشكال والأحجام.

معظم الروبوتات ليست بشرية الشكل، بل قد تكون روبوتات الحضور عن بُعد في اليابان في بساطة شاشة محمولة على عجلات، لكن حتى هذه الأشكال البسيطة فيها الكثير من المستشعرات والتقنيات.

رغم الصورة الخيالية الشائعة، كثيرًا ما تشبه الروبوتات الصورة الموجودة على اليمين.

رغم الصورة الخيالية الشائعة، كثيرًا ما تشبه الروبوتات الصورة الموجودة على اليمين.

مزيد من الشمول تكتسبه بيئة العمل اليابانية

أدت التحسينات في تقنيات التواصل عن بُعد إلى تسهيل العمل والتعلُّم عن بُعد في مختلف أنحاء العالم.

أدت التحسينات في تقنيات التواصل عن بُعد إلى تسهيل العمل والتعلُّم عن بُعد في مختلف أنحاء العالم.

تُستخدم مختلف أنواع روبوتات الحضور عن بُعد في جميع أنحاء اليابان. فتستخدم بعض المتاجر اليابانية الروبوتات المتحركة على عجلات وتتصل بعمود يحمل شاشة تعرض وجه المشغِّل، ما يمكِّن العاملين عن بُعد من التفاعل مع العملاء. ويقترن هذا التصميم البسيط بمستشعرات للعوائق وكاميرا تتيح للمشغل التنقل داخل المتاجر أو المعارض، ومساعدة كل من يحتاج إلى مساعدة. تُجرى تجارب أخرى أيضًا على أكشاك الشخصيات الافتراضية، حيث يظهر العاملون على هيئة شخصيات على الشاشة عند منافذ الدفع لمساعدة المتسوقين في سداد مدفوعات مشترياتهم. ومع أن هذه الأنواع المبتكرة لا تعتبر روبوتات -نظرًا لعدم احتوائها على مشغّلات- فإنها توفر فرص عمل عن بُعد للأشخاص الذين يواجهون صعوبات في التنقل، ومن ثم توفر لهم دخلاً وفرصة للتفاعل الاجتماعي كذلك. وتعبر هذه الجهود، التي تزيد فرص المشاركة لدى القوى العاملة، عن التزام اليابان ببناء مجتمع شامل يقدّر احتياجات الجميع ويدعم تلبيتها.

الحضور عن بُعد في قطاع الرعاية الصحية

يستخدم الجراحون في المستشفيات روبوتات الحضور عن بُعد لتنفيذ الإجراءات الطبية المعقدة.

يستخدم الجراحون في المستشفيات روبوتات الحضور عن بُعد لتنفيذ الإجراءات الطبية المعقدة.

قطاع الرعاية الصحية في اليابان من المجالات الأخرى التي تؤدي فيها تقنية الحضور عن بُعد دورًا مهمًا. ففي المناطق الريفية أو الأماكن التي تعاني نقص الكوادر، يعتمد الأطباء على روبوتات الحضور عن بُعد لتقديم استشارات طبية عن بعد، ما يتيح لهم متابعة المرضى أو توجيه الطواقم العاملة في الموقع أثناء الإجراءات الطبية. ومع ازدياد تنوّع السكان في اليابان، يزداد أيضًا تنوّع خلفيات المرضى. وهنا، يمكن لروبوتات الحضور عن بُعد أن تتيح للمترجمين عن بُعد مساعدة المرضى الذين لا يتحدثون اليابانية في فهم التعليمات والتواصل مع طاقم المستشفى.

تعمل تقنية الحضور عن بُعد أيضًا على تحقيق التواصل بين المرضى والاختصاصيين وتقليل الحاجة إلى التنقّل غير الضروري.

تعمل تقنية الحضور عن بُعد أيضًا على تحقيق التواصل بين المرضى والاختصاصيين وتقليل الحاجة إلى التنقّل غير الضروري.

في اليابان، تؤدي أيضًا روبوتات الحضور عن بُعد دورًا في التخفيف من شعور المرضى بالعزلة، إذ تُمكّنهم من "زيارة" أحبائهم حتى في أوقات منع الزيارة أو أثناء الحجر الصحي. وقد أظهرت الدراسات التي أجريت في مرافق رعاية المسنين أن رؤية وجه مألوف قد يكون لها أثر عاطفي ملموس على المقيمين في هذه الدور. كذلك يوفر وجود طرف يمد يد المساعدة دعمًا كبيرًا للمرضى عندما يتعذر على الطاقم الطبي مرافقة المرضى بشكلٍ دائم. وفي بعض المستشفيات، وُضعت في الممرات روبوتات شبيهة بالبشر يديرها أشخاص عن بُعد لتقديم إرشادات الاتجاهات للزوار أو لمراقبة تحركات المرضى الذين قد يحتاجون إلى مساعدة.

نظرة مستقبلية

تواصل التكنولوجيا في اليابان التقدم بخطى متسارعة، فيما تعمل الشركات والباحثون على دفع تقنيات الحضور عن بُعد إلى آفاق أبعد. فعلى سبيل المثال، يطوّر العلماء روبوتات بقدرات محسّنة على التفاعل اللمسي (حاسة اللمس)، ما سيتيح تنفيذ مهام دقيقة لم يكن إنجازها ممكنًا من قبل مثل الجراحة عن بُعد. وهناك أيضًا مشروعات قيد التطوير في مجال استكشاف الفضاء ستتيح يومًا ما للبشر العمل على سطح القمر أو المريخ دون الحاجة إلى النزول فعليًا على سطحهما.

وفي مجال التعليم، تؤدي تقنية الحضور عن بُعد دورًا محوريًا أيضًا، إذ تضمن للأطفال الذين لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة بسبب المرض أو الإعاقة ألّا يفقدوا فرص التعلّم المتاحة لهم، الأمر الذي يتماشى مع أهداف الحكومة اليابانية الرامية إلى دعم تقنية المعلومات والاتصالات في التعليم وسد فجوات التعلُّم.

يساعد روبوت الحضور عن بُعد هذا الطلاب في أحد المدارس على التعلُّم والتواصل، حتى عندما لا يستطيعون مغادرة المنزل.

يساعد روبوت الحضور عن بُعد هذا الطلاب في أحد المدارس على التعلُّم والتواصل، حتى عندما لا يستطيعون مغادرة المنزل.

لا تهدف روبوتات الحضور عن بُعد في اليابان إلى أن تحل محل البشر، وإنما تتيح لهم الوصول إلى الأماكن التي لا يمكنهم الحضور فيها فعليًا. وتسهم روبوتات الحضور عن بُعد في اليابان في توفير بيئة تتيح المزيد من الفرص للمشاركة والإسهام والتواصل، سواءٌ بحضور طفل لرحلة مدرسية وهو في منزله، أو بتقديم عامل للقهوة وهو في فراشه، أو تفقُّد جد لأفراد أسرته.