المكتبات اليابانية: مساحات تُلهم حب القراءة مدى الحياة

المكتبات اليابانية: مساحات تُلهم حب القراءة مدى الحياة

ما تزال القراءة من القيم المهمة المتجذّرة في الحياة اليابانية وتدعمها شبكة كاملة من المكتبات العامة التي تعزز قيمة القراءة باعتبارها تجربة ثقافية مشتركة.

مع ما يشهده عالمنا من تطور دائم وتغير مستمر، تتطور المكتبات في اليابان هي الأخرى سعيًا إلى الحفاظ على تراث البلاد في القراءة والآداب، وفي الوقت ذاته استكشاف ما قد تكون عليه طبيعة المكتبات في المستقبل. في السنوات الأخيرة، اجتذبت المكتبات الأنظار، ليست فقط باعتبارها مساحات للقراءة، بل أيضًا باعتبارها وجهات سياحية في حد ذاتها. ففي مختلف أنحاء البلاد تُفتتح مكتبات "الجيل الجديد" ذات التصميم المعماري المبهر، لتعيد صياغة شكل المكتبات اليابانية، وتستهدف إلهام روادها حب القراءة مدى الحياة. ومع الوقت تحولت هذه الأماكن إلى مراكز مجتمعية نابضة بالحياة تستضيف البرامج الثقافية والأنشطة الاجتماعية وتوفر فرصًا للتعلم المستمر مدى الحياة.

كيف تصنع المكتبات اليابانية قراءً مدى الحياة

غابة كتب أطفال ناكونوشيما مكتبة ذات تصميم جذاب، خصوصًا للأطفال.

غابة كتب أطفال ناكونوشيما مكتبة ذات تصميم جذاب، خصوصًا للأطفال.

يحرص الآباء والأمهات في اليابان -كما هو الحال في معظم البلدان- على أن يكبر أطفالهم وهم يحبون القراءة. لكن مع كثرة المشتتات المعروفة في هذا العصر، قد يكون من الصعب تشجيع الطفل على أخذ كتاب وقراءته. ومن هنا جاءت فكرة غابة كتب أطفال ناكونوشيما لتكون فضاءً مبتكرًا للقراءة في أوساكا للتصدي لهذه المشكلة. ولقد صمم مبنى المكتبة المعماري الشهير "آندو تاداو" تصميمًا يتميز بمساحته الرحبة وإضاءته الجيدة وأركان قراءة مريحة، ما يمنح الأطفال وقتًا ومساحة للتمهُّل والاطلاع على كتاب جديد. وتشمل مجموعة الكتب الموجودة في المكتبة كتبًا مصورة وروايات وأعمال من الأدب الكلاسيكي وكتبًا علمية وغيرها الكثير من الفئات.

تحول المعارض المقامة في متحف ومكتبة الكانجي الياباني في كيوتو تعلُّم حروف الكانجي إلى تجربة ممتعة. (الصورة مهداة من متحف ومكتبة الكانجي الياباني)

تحول المعارض المقامة في متحف ومكتبة الكانجي الياباني في كيوتو تعلُّم حروف الكانجي إلى تجربة ممتعة. (الصورة مهداة من متحف ومكتبة الكانجي الياباني)

كي يصبح الشخص قارئًا في اليابان، لا بد له من تعلم أنماط حروف الهجاء اليابانية الثلاثة: الهيراغانا والكاتاكانا والكانجي. وقد ينظر البعض إلى تعلُّم الآلاف من حروف الكانجي على أنه عملية رتيبة طويلة الأمد. ولهذا أنشئ متحف ومكتبة الكانجي الياباني في كيوتو لتغيير هذا القالب النمطي، إذ يرحب بالزوار من جميع الأعمار للتفاعل مع المعروضات التفاعلية التي تركز على ما يتسم به هذا النمط الفريد من الكتابة اليابانية من دقة وسحر.

يمكن أن تصبح المكتبات مساحات لما هو أكثر من القراءة وتتحول إلى مراكز اجتماعية مهمة. الصورة مهداة من قاعة موساشينو البشر・المدينة・المعلومات・الإبداع

يمكن أن تصبح المكتبات مساحات لما هو أكثر من القراءة وتتحول إلى مراكز اجتماعية مهمة. الصورة مهداة من قاعة موساشينو البشر・المدينة・المعلومات・الإبداع

تؤدي المكتبات في اليابان دورًا مهمًا للأجيال الأكبر سنًا كذلك، فالكثير منها يمكن اعتباره أماكن للتعلُّم المستمر مدى الحياة يمكن للكبار الاستمتاع فيها بهواياتهم أو حضور الفصول التعليمية أو حتى الاستمتاع بالقراءة في مكان هادئ. ومن الأمثلة المميزة على ذلك قاعة موساشينو في طوكيو التي يحتوي طابقها الثالث على غرف يمكن تأجيرها لممارسة أي نشاط؛ بدءًا من تنسيق الزهور إلى دورات تعلُّم فن الخط، ويحتوي طابق القبو فيها على ستوديو للتسجيل الصوتي. وهذه المساحات مفتوحة للجميع، وترحب بالزوار من مختلف الفئات العمرية ما يعزز التواصل بين الأجيال المختلفة ويدعم التعلُّم في كل مراحل الحياة.

كيف تبدو ملامح مكتبة المستقبل؟

الإضاءة الدافئة والتصاميم الداخلية الخشبية تجعل من ميديا كوزموس مساحة مريحة للغاية للقراءة أو الدراسة. (الصورة مهداة من مينا نو موري غيفو ميديا كوزموس)

الإضاءة الدافئة والتصاميم الداخلية الخشبية تجعل من ميديا كوزموس مساحة مريحة للغاية للقراءة أو الدراسة. (الصورة مهداة من مينا نو موري غيفو ميديا كوزموس)

تهدف مكتبة مينا نو موري غيفو ميديا كوزموس في مدينة غيفو، التي يُطلق عليها أيضًا مينا نو موري (أي غابة للجميع)، إلى جمع الأشخاص من المجتمعات المختلفة معًا تحت سقفها المتشابك الرائع. ويركز التصميم المفتوح للمكتبة على الخطوط المنحنية والمساحات المركزية المرنة التي تقابلها على السقف كرات معلقة كبيرة في إشارة لطيفة إلى قناديل غيفو العتيقة ما يجعل محور التركيز الرئيسي للتصميم هو العفوية وكسر الحواجز.

تجعلك أرفف الكتب البالغ ارتفاعها 8 أمتار في مسرح أرفف الكتب في متحف كادوكاوا الثقافي تشعر وكأنك في حجم كتاب. (الصورة مهداة من متحف كادوكاوا الثقافي ©)

تجعلك أرفف الكتب البالغ ارتفاعها 8 أمتار في مسرح أرفف الكتب في متحف كادوكاوا الثقافي تشعر وكأنك في حجم كتاب. (الصورة مهداة من متحف كادوكاوا الثقافي ©)

اتخذ متحف كادوكاوا الثقافي في سايتاما خطوة أبعد في الطريق نحو المستقبل، إذ تخطّى فكرة فرض تعريفات جامدة للمكان نفسه. وهو الأمر الذي يعبر عنه المدير إيكيغامي أكيرا بسؤاله: "هل هي مكتبة أم معرض فني أم متحف؟ لا هذا ولا ذاك، لا يمكن إدراج هذا المكان ضمن أي من هذه التصنيفات." تتيح هذه المرونة إنتاج أعمال وسائط متعددة مبتكرة مثل عرض ريبورن (RE:BORN) الذي ينتمي إلى فن الأوكيو-إه، وهو عرضي مسرحي رقمي فني يعيد إحياء لوحات الأوكيو-إه باستخدام التقنيات الرقمية الحديثة.

تقدم الأعمال الفنية اليابانية القديمة المعروضة على أسطح مساحة العرض في المكتبة للزوار تجربة أشبه بالدخول إلى لوحة حية من العصر الإقطاعي.

تقدم الأعمال الفنية اليابانية القديمة المعروضة على أسطح مساحة العرض في المكتبة للزوار تجربة أشبه بالدخول إلى لوحة حية من العصر الإقطاعي.

يبرهن النهج الذي تتبناه اليابان في مكتباتها على الالتزام الوطني العام تجاه التعليم والثقافة والابتكار. وتستثمر اليابان -من خلال دعمها لإنشاء مؤسسات جذابة ولافتة للأنظار تشجع على القراءة والتعلم المستمر مدى الحياة- في رسم ملامح مستقبل مزدهر لسكانها، وتضرب مثالاً حيًا يحتذي به العالم. لا تكف المكتبات في اليابان عن التطور؛ سواءٌ في التصميم الشكلي أو الدور الاجتماعي، ما يجعلها محطًا للأنظار ومساحات نافعة للكثيرين في جميع أنحاء البلاد. ويضمن هذا التطوير لمساحات القراءة الجديدة والجذابة بقاء المكتبات مساحات نابضة بالحيوية والتأثير في المجتمع الياباني.