الروح العالمية لمدينة يوكوهاما: مدينة لا تكف عن التطور

الروح العالمية لمدينة يوكوهاما: مدينة لا تكف عن التطور

يوكوهاما نموذج للتصميم الحضري والتنمية المتكاملة، ما يجعلها واحدة من أكثر مدن اليابان ديناميكية وأفضلها من حيث جودة المعيشة وجاذبية السياحة واستضافة الفعاليات الدولية.

تقع يوكوهاما على بُعد 30 كيلومترًا تقريبًا جنوب طوكيو، وهي ثاني أكثر مدن اليابان سكانًا، كما أنها ميناء تجاري رئيسي ومركز صناعي واقتصادي مهم. وتشتهر يوكوهاما بتخطيطها الحضري المتكامل وثقافتها التي يسهُل التعرف عليها وشخصيتها الدولية المميزة ومكانتها الرائدة بين أشهر المدن وأنسبها للعيش في اليابان. وتمثل هذه المدينة الساحلية التاريخية أيضًا وجهة عالمية للتجارة والسياحة والتبادل الثقافي، وتُعد نموذجًا للتصميم الحضري المستدام في اليابان.

يوكوهاما جزء من مقاطعة كاناغاوا، وتبعُد عن طوكيو أقل من ساعة.

يوكوهاما جزء من مقاطعة كاناغاوا، وتبعُد عن طوكيو أقل من ساعة.

مدينة للجميع

تستقطب يوكوهاما سنويًا عشرات ملايين السائحين الذين يقصدونها للتعرّف على ثقافتها العريقة والاستمتاع بوجهاتها الترفيهية، ومن أكثر متاحفها التفاعلية شهرةً بين العائلات متحف كَب نودلز (الشعيرية المعبأة) ومتحف هارا للسكك الحديدية. كذلك من وجهاتها المفضلة للسائحين والمقيمين من كل الأعمار مدينة ملاهي كوزمو ورلد الترفيهية الساحلية.

في الأيام صافية الجو يُمكن رؤية جبل فوجي من نقاط المشاهدة المرتفعة العديدة في يوكوهاما.

في الأيام صافية الجو يُمكن رؤية جبل فوجي من نقاط المشاهدة المرتفعة العديدة في يوكوهاما.

من المعالم الثقافية البارزة "مستودع القرميد الأحمر" و"متحف يوكوهاما للفنون" وسفينة "نيبون مارو" الأثرية الراسية في الخليج. وتحتضن المدينة أيضًا فريق "يوكوهاما دينا باي ستارز" للبيسبول وفريق "يوكوهاما إف مارينوز" لكرة القدم، وتضم عددًا من الاستادات والوجهات التي تستضيف العديد من الفعاليات الرياضية والموسيقية. وتقدم المتنزهات والحدائق كذلك الكثير من الفعاليات الترفيهية، وكثير منها يضم معروضات فنية ومنحوتات، وتستضيف أيضًا الكثير من الفعاليات الموسمية مثل عروض الإضاءة الليلية.

تضيئ ليلَ يوكوهاما في أغلب الأحيان العروضُ الضوئية المبهرة، من عروض الطائرات المُسيرة إلى الألعاب النارية. الصورة مُهداة من ‎@YDB. عرض تقدمه شركة Drone Show Japan, Inc.

تضيئ ليلَ يوكوهاما في أغلب الأحيان العروضُ الضوئية المبهرة، من عروض الطائرات المُسيرة إلى الألعاب النارية. الصورة مُهداة من ‎@YDB. عرض تقدمه شركة Drone Show Japan, Inc.

من الوجهات الثقافية المميزة التي يمكن الاستمتاع بزيارتها مستودع القرميد الأحمر الأيقوني وسفينة نيبون مارو الأثرية.

من الوجهات الثقافية المميزة التي يمكن الاستمتاع بزيارتها مستودع القرميد الأحمر الأيقوني وسفينة نيبون مارو الأثرية.

جذور يوكوهاما عالمية الطابع

كانت يوكوهاما -قبل أن تتحول إلى مدينة عالمية- قرية صغيرة للصيادين في فترة إيدو الانعزالية (1603 - 1867). وفي خمسينيات القرن التاسع عشر، شجّعت بعثة بحرية أمريكية الحكومة اليابانية على فتح البلاد أمام التجارة الدولية. وبذلك أصبحت يوكوهاما واحدة من أولى الموانئ التي تستضيف التجار الأجانب، وسرعان ما تطورت لتتحول إلى مركز للتجارة والتبادل الثقافي، ووجهة تجذب التجار والمقيمين من خارج البلاد. كما بُني في تلك الفترة الكثير من المباني غربية الطابع، ومنها المباني التي يُمكن رؤيتها حتى الآن في مناطق مثل حي "ياماته". وقد أدت تلك الفترة دورًا محوريًا في تحول يوكوهاما إلى المدينة العالمية متعددة الثقافات التي نراها اليوم.

فندق نيو غراند الذي افتُتح عام 1927، وهو الفندق الكلاسيكي الوحيد في يوكوهاما، ويشتهر بعمارته المستوحاة من العمارة الغربية.

فندق نيو غراند الذي افتُتح عام 1927، وهو الفندق الكلاسيكي الوحيد في يوكوهاما، ويشتهر بعمارته المستوحاة من العمارة الغربية.

ميناتوميراي 21: مشروع الواجهة البحرية البارز في يوكوهاما

تعرّضت أجزاء كثيرة من يوكوهاما للدمار خلال الحرب العالمية الثانية. وفي فترة ما بعد الحرب، واجهت المدينة عددًا من المشكلات البيئية وتزايدًا في الطلب على الأماكن السكنية وتدهورًا للبنية التحتية الصناعية. وقد تفاعلت الحكومة المحلية مع هذه الأزمات عن طريق التحول من المشروعات الصناعية إلى التخطيط الحضري المتمحور حول الإنسان. ومن أمثلة تلك المشروعات مشروع "ميناتوميراي 21" الذي انطلق في ثمانينيات القرن العشرين.

يعبّر مشروع "ميناتوميراي 21" عن نهج التخطيط الحضري المتمحور حول الإنسان الذي تتميز به يوكوهاما.

يعبّر مشروع "ميناتوميراي 21" عن نهج التخطيط الحضري المتمحور حول الإنسان الذي تتميز به يوكوهاما.

يعني اسم "ميناتوميراي 21" الميناء المستقبلي للقرن الحادي والعشرين، وهو مشروع حضَري ساحلي كبير بُني على أراضٍ مُستصلحة. وقد صُمم هذا المشروع لإعادة إحياء يوكوهاما عن طريق الربط بين "كاناي" ومنطقة "محطة يوكوهاما"، وهما منطقتان بارزتان في وسط المدينة، وكذلك ليكون مركزًا إقليميًا للأعمال والتجارة والتبادل الدولي. وفي ضوء تركيز إقامة الصناعات الرئيسية خارج العاصمة، أصبح هذا المشروع ركيزة داعمة لتحقيق مزيد من التوازن في المشروعات التنموية في منطقة طوكيو الكبرى.

يمثل هذا المشروع مركزًا تجاريًا وسياحيًا بارزًا، ويضم عددًا من الأبراج الإدارية والوحدات السكنية والمراكز التجارية والمتاحف والمرافق الترفيهية والكثير من المساحات الخضراء. وصُممت منطقة المشروع كلها بأسلوب يساعد على صمود المجتمع والبيئة في وجه المتغيرات. فعلى سبيل المثال، بُنيت أرصفة الموانئ وفق تصميم يؤهلها لمواجهة الزلازل، وتُستخدم كذلك كمهابط للطائرات المروحية في حالات الطوارئ. ويتجلى هذا التصميم المتمحور حول الإنسان أيضًا في سهولة المشي في المدينة؛ إذ يربط عددٌ من الممرات بين المنطقة الساحلية والمناطق السكنية والترفيهية والاقتصادية.

تحولت المنطقة أيضًا إلى وجهة بارزة تنقل إليها الشركات مقراتها، وذلك بفضل الحوافز التي تقدمها المدينة كالإعفاءات الضريبية والمِنح والميزات الإضافية التي يمكن أن تستفيد منها الشركات التي تعتمد اعتمادًا كليًا على الطاقة المتجددة. وقد شجعت هذه الميزات على انتقال الكثير من المقرات الرئيسية للشركات والمراكز البحثية إلى المدينة، ما أدى إلى زيادة تأثيرها الاقتصادي.

ريادة في الاستدامة الحضرية

تستند جهود إحياء يوكوهاما إلى مفهوم النمو المستدام والشامل. ومنذ ستينيات القرن الماضي، تشجع المدينة المواطنين على التفاعل مع مبادرات مثل "كتيب التصميم الحضري ليوكوهاما"، وهي مبادرة يشارك فيها السكان في عملية التخطيط الحضري، و"مشروع G30" الذي يهدف إلى تقليل النفايات بنسبة 30% بحلول عام 2030. وتستند هذه البرامج بدورها إلى المُدخلات التي يقدمها المجتمع في صياغة السياسات وتصميم الخدمات العامة.

يوكوهاما مدينة مناسبة للمُشاة بها الكثير من المساحات الخضراء.

يوكوهاما مدينة مناسبة للمُشاة بها الكثير من المساحات الخضراء.

تقديرًا لتلك الجهود، منحت الحكومة اليابانية يوكوهاما لقب "المدينة البيئية النموذجية" عام 2008، ولقب "مدينة المستقبل" عام 2011، ولقب "مدينة مستقبل أهداف التنمية المستدامة" عام 2018؛ وهي الألقاب التي تسلط الضوء على سعي المدينة الدائم إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، ونهجها المتكامل الذي تواجه فيه التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية. ويأتي هذا التقدم ثمرة مشروعات مثل "مشروع مدينة يوكوهاما الذكية" الذي يستهدف تحسين استهلاك الطاقة، و"مركز تصميم أهداف التنمية المستدامة" الذي ينسق أوجه التعاون بين القطاعات المختلفة لتحقيق أهداف الاستدامة. إضافة إلى ذلك كله، تظل وسائل النقل العام ومساحات المُشاة والطاقة النظيفة تشكل عنصرًا محوريًا في التخطيط للبنية التحتية في ظل سعي يوكوهاما إلى تحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفري بحلول عام 2050.

ساحة عالمية للتعاون الدولي

اكتسبت يوكوهاما بفضل بنيتها التحتية وتخطيطها شهرةً كبيرة باعتبارها وجهة الفعاليات الدبلوماسية والتجارية والثقافية العالمية. ويستضيف مركز "باسيفيكو يوكوهاما" عددًا من المؤتمرات والمعارض البارزة بشكل دوري، وهو أحد أكبر منشآت الاجتماعات والفعاليات التحفيزية والمؤتمرات والمعارض في اليابان.

وقد استضافت المدينة "مؤتمر طوكيو الدولي" بشأن التنمية الأفريقية عام 2008، وكانت تلك أول مرة يُستضاف فيها هذا المؤتمر خارج طوكيو. وسوف تكون يوكوهاما أيضًا مقر انعقاد النسخة التاسعة من هذا المؤتمر عام 2025 بعد استقبالها رؤساء ووزراء أفارقة في نسختَي المؤتمر الخامسة والسابعة عامَي 2013 و2019. جديرٌ بالذكر أن يوكوهاما يُطلق عليها كثيرًا لقب "المدينة الأقرب إلى أفريقيا" بفضل علاقتها القوية بدول القارة، وهي علاقة تعززها فعاليات التعاون والتبادل بين الطرفين. وتتعاون المدينة مع دول أفريقية للتصدي لمشكلات مثل الخدمات اللوجستية للموانئ وإدارة النفايات عن طريق تبادل الخبرات التي اكتسبتها في التعامل مع مشكلاتها المرتبطة بالتحول الحضري.

تستعد يوكوهاما حاليًا لاستضافة المعرض الدولي للبستنة 2027 ‏(GREENEXPO 2027) الذي يُقام في الفترة من 19 آذار/مارس إلى 26 أيلول/سبتمبر 2027، وتُعرض فيه أحدث التطورات في عالم تصميم المساحات الخضراء عالميًا، ويقدم رؤى ومعلومات حول النهُج التقليدية والحديثة التي تتبناها اليابان للعيش في انسجام مع الطبيعة. وقد وقع الاختيار على يوكوهاما لاستضافة المعرض نظرًا لتاريخها كبوابة تجارية للمنتجات البستانية، ومساحاتها الخضراء الشاسعة، وسياساتها "الخضراء" التي تشمل حماية الأراضي الزراعية والغابات، فضلاً عن إنشاء مساحات خضراء جديدة. وتواصل يوكوهاما عبر فعاليات مثل هذه تعزيز دورها باعتبارها إحدى أبرز المدن اليابانية في مجال التعاون الدولي والتخطيط الحضري المراعي للبيئة.

تكتسي يوكوهاما بالزهور المتفتحة في كل ربيع انطلاقًا من فعاليات "قلادة حدائق يوكوهاما"، وهي مناسبة سنوية تحتفل بالمساحات الخضراء في المدينة.

تكتسي يوكوهاما بالزهور المتفتحة في كل ربيع انطلاقًا من فعاليات "قلادة حدائق يوكوهاما"، وهي مناسبة سنوية تحتفل بالمساحات الخضراء في المدينة.

يوكوهاما في الصدارة

تجسد يوكوهاما كيف يمكن لأي مدينة أن تتطور دون أن تتخلى عن هويتها المرتكزة على الإنسان وعن طابعها العالمي، كما أصبحت نموذجًا عالميًا للتنمية الحضرية بفضل التخطيط المتكامل والمشاركة المجتمعية والتركيز على الاستدامة. فعلى سبيل المثال، قد نُظمت ورشة "يوكوهاما سيتي سكتش" في عدد من المدن، مثل "بنما سيتي" في بنما و"بارانكيا" في كولومبيا في إطار فعاليات مشروعات إحياء الوجهات الساحلية.

مقالات ذات صلة

الأعمال الزراعية الممتعة في المدينة

أفكار زراعية جديدة صديقة للبيئة للاستفادة من مواد الفضلات

شركات منطقة كانساي التي تخلق مجتمع المستقبل بواسطة التكنولوجيا المتقدمة والأفكار الجديدة

House Energy Innovation in Japan (English)