يعشق اليابانيون أزهار الكرز

أشجار الكرز ساكورا في تشيدوريغافوتشي

   لطالما أعار اليابانيون انتباهًا كبيرًا للتغيرات الموسمية في الطبيعة، ويعلقون أهمية كبيرة على تغير الفصول. تُزرع أشجار الكرز خصيصًا لأزهارها الرائعة، التي تسمى "ساكورا" باللغة اليابانية، وهي تبشّر بقدوم موسم الربيع وقد شكّلت ظاهرة محبوبة جدًا لسنوات عديدة. تُعدّ اليابان دولة جزيرة تمتد على مساحة طويلة من الشمال وحتى الجنوب، ولذا تبدأ أزهار "ساكورا" كل عام في التفتّح في المنطقة الجنوبية الدافئة من البلاد أولاً قبل أن تتفتّح شمالًا. تُقدّم تقارير حول حالة تفتّحها في الأخبار، ويقوم العديد من الزوار برحلات إلى مواقع شهيرة لمشاهدة "ساكورا" في جميع أنحاء البلد خلال هذا الوقت. يستمتع الناس بتأمل الاختلافات بين الأنواع المتعددة من أزهار "ساكورا". ولكن لا ينصبّ التقدير على الأزهار فحسب، بل يستخدم الناس اللحاء والأوراق والبتلات بطرق مختلفة في حياتهم اليومية أيضًا.

اليابان وأزهار "ساكورا": قصّة حبّ لا يبليها كرّ الأيّام

   في اليابان، تشير كلمة "هانامي" إلى فعل تقدير أزهار "ساكورا". على الرغم من أنّها تعني حرفيًا "مشاهدة الزهور"، إلّا أن أزهار الكرز تحظى بإعجاب كبير لدرجة أن كلمة "الزهور" تشير تحديدًا إلى "ساكورا" في هذا السياق.
وشكّل "هانامي" نشاطًا شائعًا منذ مئات السنين، ولا يزال الكثير من الناس يزورون مواقع شهيرة مخصصة لمشاهدة أزهار "ساكورا" في فصل الربيع للاستمتاع بنزهة وسط مناظر خلابة أو تناول الطعام والشراب تحت الأشجار المذهلة. تزخر هذه المواقع بأشجار "ساكورا" من مختلف الأنواع، وقد تمّت زراعتها بتناسق مع المباني المحيطة لخلق منظر طبيعي يخطف الأنفاس.

المجموعة الأكثر شهرة هي "سومي-يوشينو"

أزهار "ساكورا" من شجرة سومي-يوشينو.

   يتوفّر العديد من أنواع "ساكورا"، إلّا أنّ النوع المفضّل لدى معظم الناس يُدعى سومي-يوشينو، وهو محبوب لكل من بتلاته الوردية الباهتة ولسقوطها بطريقة مُذهلة ووافرة عند تجاوز مرحلة الإزهار الكامل. ظهر نوع "سومي-يوشينو" لأول مرة في القرن الثامن عشر وزُرع على نطاق واسع في جميع أنحاء اليابان. وتجدر الإشارة إلى أنّ كلّ الأشجار حول اليابان متطابقة وراثيًا، وتتكاثر من خلال استخدام قصاصات، حيث يتم زرع فرع من شجرة موجودة في الأرض، أو من خلال تقنية تسمى التطعيم، حيث يتم ربط فرع من "سومي-يوشينو" بجذع من أنواع مختلفة من الأشجار. وبفضل ذلك، تتفتح الأزهار وتتساقط بشكل مذهل في الوقت نفسه عندما يتم زرعها في المناخ ذاته.

أشجار "ساكورا" ("سومي-يوشينو" بأغلبها) في غوريوكاكو في هوكايدو. هذا المنظر من برج مجاور.

   تُعدّ غوريوكاكو في هاكوداتي، هوكايدو موقع قلعة قديمة على شكل نجمة. وهي الآن مفتوحة للزوار كمنتزه، وتشتهر بأشجار "ساكورا". ويبرز تباين رائع بين أشجار "سومي-يوشينو" المزهرة بالكامل والخندق على شكل نجمة، والذي يمكنك تمتيع ناظريك به من خلال التنزّه تحت الأزهار أو من برج قريب يوفر إطلالة تخطف الأنفاس من الأعلى.

ينعكس جبل فوجي الشامخ في بحيرة كاواغوتشي وهو محاط بأزهار "ساكورا" التي بدأت للتو في الانتشار.

   تُعدّ ضفاف بحيرة كاواغوتشي في محافظة ياماناشي موقعًا شهيرًا آخر للتأمّل بروعة أشجار "ساكورا"، حيث يمكنك تمتيع ناظريك بالأزهار المنتشرة بجانب جبل فوجي، أعلى جبل في اليابان. الأشجار المنتشرة هناك هي من نوع سومي-يوشينو بشكل أساسي، ولكن يمكنك أيضًا رؤية العديد من الأنواع الأخرى.

مدينة مخصصة لأشجار "ساكورا"

   يتمتّع نوع واحد من أشجار "ساكورا"، يُسمّى "شيداري-زاكورا"، بأغصان تتدلى مثل المياه المتدفقة. تتميّز بلدة كاكونوديت في مدينة سيمبوكو، محافظة أكيتا، بنوع "شيداري-زاكورا"، وتشتهر المنطقة بمناظرها الخلّابة التي تمزج بين المباني القديمة وأشجار "شيداري-زاكورا" في تناغم تام. في مدينة سيمبوكو، يعمل المجتمع بأكمله بجد لحماية أشجار "ساكورا" المحلية وإخبار الجميع عن جمالها. على سبيل المثال، يطلع أطفال المنطقة الزوّار على تاريخ المدينة مع "ساكورا"، ويقودونهم نحو بعض من أفضل الوجهات للاستمتاع بروعة الأزهار وتعزيز صحة الأشجار من خلال وضع السماد. في فصل الشتاء، تتساقط الثلوج في المنطقة، لذلك يتجول العمال في المدينة ليزيلوا الثلج المتراكم عن الأشجار حتى لا تنكسر أغصانها تحت وطأة الوزن، وهذه واحدة من الجهود الكثيرة التي تُبذل في سبيل الحفاظ على هذه الأشجار على مدار السنة.

"شيداري-زاكورا" في كاكونوديت، بلدة مليئة بالمباني القديمة.

في كاكونوديت، يعتني الأطفال بأشجار "ساكورا" من خلال تعزيزها بالسماد. (تم الحصول على الصورة بإذن من: Akita Prefectural Omagari Special Needs School, Semboku Branch School.)

   تشتهر كاكونوديت أيضًا بحرفة "كابازايكو" التقليدية، حيث يتم استخدام لحاء أشجار "ساكورا" في صناعة القطع الخشبية مثل علب شاي "شازوتسو". وتتطلب هذه الحرفة مهارةً عاليةً لإزالة اللحاء وتلميعه وصنع وعاء بغطاء مناسب. تتميز المنتجات النهائية بالنمط الجميل والملمس المريح الذي يتمتع به اللحاء، إلى جانب بريق ساحر يظهر أكثر كلما زاد استخدامه.
يتم إزالة اللحاء المستخدم في هذه الحرف بعناية من أشجار "ساكورا" لتفادي إلحاق الضرر بها، ليعود وينمو مرة أخرى من تلقاء نفسه بعد فترة. وتم تناقل هذه التقنية الخاصة بين أجيال الحرفيين لسنوات عديدة.

يتم ترطيب لحاء "ساكورا"، من ثمّ تسطيحها من خلال وضع قطعة حديد ساخنة تسمى "كوتي". (تم الحصول على الصورة بإذن من: Kakunodate Cooperative Craft Union.)

صُنعت علبة الشاي "شازوتسو" هذه من لحاء "ساكورا". (تم الحصول على الصورة بإذن من: Kakunodate Cooperative Craft Union.)

تُستخدم أزهار "ساكورا" أيضًا في المشروبات والحلويات

تتميّز أزهار "يازاكورا" بطبقات متعددة من البتلات.

   بالإضافة إلى ذلك، تم استخدام أزهار "ساكورا" في المشروبات والحلويات لسنوات عديدة.
تتميز مجموعة "يازاكورا" من أزهار "ساكورا" بعدة طبقات من البتلات المتداخلة، وهي لا تحظى بشعبية لمظهرها الرائع فحسب بل لكونها المكوّن الرئيسي في مشروب ساخن يسمى "ساكورا-يو". يُصنع "ساكورا-يو" عن طريق سكب المياه الساخنة على مخلل أزهار "ساكورا"، مما ينتج مشروبًا برائحة زهرية خفيفة غالبًا ما يتم تقديمه في الاحتفالات.
   أمّا "ساكوراموتشي" فهي حلوى مصنوعة من كعكات أرز "موتشي" ذات اللون الوردي ملفوفة بورقة "ساكورا" مخللة بالملح. وتجمع الحلوى اللذيذة بين الرائحة الفريدة لأوراق "ساكورا" وطعم "الموتشي" الحلو.

يُصنع "ساكوراموتشي" (الخلفي) من أوراق "ساكورا"، فيما يُعدّ مشروب "ساكورا-يو" (الأمامي) باستخدام البتلات.

   كما أصبح واضحًا لك، تحتلّ أزهار "ساكورا" مكانة خاصة في قلوب الشعب الياباني.

   ارتبطت حياة اليابانيين بأشجار "ساكورا" منذ العصور القديمة، بدءًا من تقدير جمالها في مواقع المشاهدة الشهيرة وصولاً إلى استخدامها في الحرف اليدوية والمأكولات التقليدية. حتى اليوم، يساعد الأطفال في الحفاظ على أشجار الكرز والترويج لها في مجتمعاتهم المحلية، ونرى جيل جديد من عشاق "ساكورا" يزهر اليوم.