الزراعة ومصائد الأسماك الذكية في اليابان

طائرة بدون طيار فوق بعض الأراضي الزراعية

   تُعدّ الزراعة ومصائد الأسماك صناعتَين يتعين على العاملين فيهما التعامل مع البيئة الطبيعية التي لا يمكن السيطرة عليها. وبما أنهما جزءًا من الصناعات الأولية، فيتطلبان الكثير من العمل اليدوي، الأمر الذي أسفر عن مشاكل متعددة مثل نقص اليد العاملة وتقدم القوى العاملة في العمر. يعمل الناس في جميع أنحاء العالم على حل هذه المشاكل باستخدام تقنيات مثل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي التي تشهد تطوّرًا سريعًا. سنستعرض في هذه المقالة بعض التقنيات الجديدة التي طورتها الشركات الناشئة الصغيرة، وكيف بدأ استخدامها في مجال الزراعة ومصائد الأسماك في اليابان، وطرق الاستفادة منها على نطاق واسع في المستقبل القريب.

   تعاني الصناعات الأولية مجموعةً من المشاكل المتنوعة التي تختلف من بلد إلى آخر. وتتمحور هذه المشاكل في اليابان حول الفئة العاملة التي تتقدم في السن بدون وجود عدد كافٍ من الشباب ليحل محلها. ومن المعروف أن الزراعة ومصائد الأسماك تتطلب الكثير من العمل اليدوي الشاق. لذا، تأتي التقنيات التي تقلل من عدد العمال وتزيد من الفعالية لتشكّل حبل نجاة للعاملين في هذَين القطاعَين.

توقُّع المحاصيل باستخدام صور الطائرات بدون طيار للحقول

يمكن لخدمة تحليل لون الأوراق بتقنية الذكاء الاصطناعي "IROHA" تأكيد التفاصيل وصولاً إلى دقة تبلغ 1 مم. (تم الحصول على الصورة بإذن من شركة SkymatiX, Inc.‎)

   تستخدم إحدى هذه التقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور التي تلتقطها الطائرات بدون طيار، مما يمنح المزارعين تقديرات حول الوقت المناسب للحصاد وأنواع المحاصيل المتوقعة، وكل ذلك بدون الحاجة إلى زيارة الحقل. وبفضل الصور عالية الدقة، يمكن حساب عدد الفاكهة أو الخضار بدقة في الحقل، فضلاً عن التحقق من حجمها ومدى جودة نموها.

   تتيح الصور عالية الدقة أيضًا للذكاء الاصطناعي رصد لون الأوراق وأي حشائش قد تكون قد بدأت في النمو. ويساعد ذلك المزارعين في العثور على المشاكل وإصلاحها على الفور، مثل الآفات والأعشاب الضارة وأمراض النبات، مما يزيد من فعالية الحفاظ على صحة المحاصيل. وكلما زاد استخدام المزارعين لهذه الخدمات، زادت البيانات التي يجمعونها، مما يسمح لهم بمقارنة حالة حقولهم بالسنوات السابقة. ويمكن الآن إدارة الأراضي الزراعية والمحاصيل باستخدام الكمبيوتر، بدلاً من الاعتماد على الخبرة والحدس فحسب.

مساعدة المزارعين في الحصول على حصّادات آلية سهلة الاستخدام بسعر معقول

   طورت الشركات روبوتات بسعر معقول يمكنها حصد المحاصيل بدلاً من الإنسان. على سبيل المثال، تصنّع إحدى الشركات جهازًا يعلّق على سكك في الدفيئات قادر على حصد الفلفل الحلو والخيار ومحاصيل أخرى. ويمكن تشغيله في التضاريس الوعرة والأراضي التي تحتوي على عوائق بدون أي مشاكل، فيتمكن من حصد المنتجات بشكل موثوق وفعال. إنه روبوت بسيط يتمتّع بالميزات الضرورية فقط، مما أكسبه الثناء كبديل أرخص وأكثر توفّرًا للحصادات التقليدية.

يتخصص هذا الروبوت في التنقل بين الدفيئات وحصد الفاكهة والخضروات مثل الفلفل الحلو والخيار والطماطم. (تم الحصول على الصورة بإذن من شركة AGRIST Inc.‎)

تتحرك هذه الحصّادة وهي معلقة على سكك، مما يلغي أي مشاكل قد تنتج عن التضاريس الوعرة أو العوائق. (تم الحصول على الصورة بإذن من شركة AGRIST Inc.‎)

   بالإضافة إلى الحصاد، يمكن تجهيز الروبوت بكاميرا لجمع الصور للتحاليل، مما يسمح للمزارعين بمراقبة صحة محاصيلهم. وتتيح هذه الآلة للمزارعين الحصاد في الوقت المناسب، وبالتالي جني محاصيل أكبر من المساحة نفسها. كما أنها تعالج مشكلة نقص اليد العمالة، ويمكن أن تساهم في خفض تكاليف التوظيف.

استخدام إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي للحد من كلفة تربية الأسماك في المزارع البرية

   تمتلك صناعة صيد الأسماك أيضًا شركاتها الناشئة ذات التقنية العالية، بما في ذلك شركة أطلقتها جامعة كيوتو وجامعة كينداي. وبعد بحوث مكثفة، نجحت هاتين الجامعتَين في زيادة الأجزاء الصالحة للأكل من سمك "ماداي" (سمك أبراميس البحر الحمراء) بنسبة 20%، مع استخدام علف أقل بنسبة 20%.

سمكة "تاي القرن الثاني والعشرين" مع المزيد من اللحم (في الأعلى) وسمكة "ماداي" التي تم تربيتها بشكل طبيعي (في الأسفل).
(تم الحصول على الصورة بإذن من شركة Regional Fish Institute، Ltd.‎)

   تجري الشركة حاليًا البحوث حول تطبيقات عملية لتطوير أسماك محسنة للعيش في بيئات التربية وتربيتها في مزارع السمك البرية. ويمكن لهذه التطبيقات استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء لرصد التغييرات تلقائيًا في نمو الأسماك ودرجة حرارة الماء ومستويات الأكسجين وما إلى ذلك، وتعديل البيئة وفقًا لذلك. كما يمكن استخدامها لتشغيل بعض العمليات آليًا، مثل التغذية وتنظيف خزان المياه. هذا وتعتزم الشركة تطوير جهاز يوفّر الطاقة باستخدام تقنية الفلترة وتصميم ذكي لخزان المياه في نظام يحافظ بشكل طبيعي على البيئة المثالية للأسماك.

يتم إجراء البحوث لإيجاد الأسماك المثالية لتربيتها في المزارع البرية، مع تطوير أنظمة محسّنة لتربية الأسماك في المزارع البرية.
(تم الحصول على الصورة بإذن من شركة Regional Fish Institute، Ltd.‎)

   حاز نظام الاستزراع المائي هذا الذي يُقام في مزارع برية وبتكلفة منخفضة على اهتمام كبير في جميع أنحاء العالم، وذلك لقدرته على تقديم أسماك بجودة موثوقة وبأسعار معقولة نسبيًا حتى في المناطق ذات إمكانية وصول محدودة إلى البحر أو الأنهار.

الحد من التلوث باستخدام المغذيات الذكية لمزارع الأسماك البحرية

   واجهت مزارع الأسماك البحرية مشاكل مع الضغط الناجم عن ارتفاع أسعار العلف ونقص اليد العاملة، فضلاً عن التلوث البحري الناتج عن العلف الزائد الذي يتسرب إلى النظام البيئي. وطوّرت إحدى الشركات الناشئة في قطاع مصائد الأسماك مغذيات ذكية مجهزة بالذكاء الاصطناعي لمعالجة هذه المشاكل. تجدر الإشارة إلى أنّ النظام يتميّز بكاميرا وبتقنية الذكاء الاصطناعي ويتم تشغيله بواسطة لوحة طاقة شمسية.

يمنح نظام "UMITRON CELL" الأسماك الكمية المناسبة من الطعام في الوقت المناسب بفضل الكاميرا والذكاء الاصطناعي. (تم الحصول على الصورة بإذن من UMITRON K.K.‎)

   يمكن لهذا النظام تحديد ثلاثة مستويات من الجوع لدى الأسماك بناءً على طريقة السباحة، وسيقوم بالحد من كمية العلف المقدم للأسماك أو تعديلها عندما يرى الذكاء الاصطناعي أنها ليست جائعة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن إطعام الأسماك عن بُعد باللجوء إلى فيديو يُنقَل في الوقت الحقيقي على هاتف ذكي أو أي جهاز آخر. وتقلل هذه الميزة عدد المرات التي يتعين على المزارعين زيارة الخزانات، مما يزيد من مستوى الفعالية في العمل.

يحدد الذكاء الاصطناعي متى تكون الأسماك جائعة من خلال طريقة السباحة. (تم الحصول على الصورة بإذن من UMITRON K.K.‎)

   علاوةً على ذلك، يقلل هذا النظام أيضًا من تكلفة تربية الأسماك من خلال الحد من كمية العلف المهدر، وكذلك منع التلوث الناتج عن العلف الزائد. على سبيل المثال، خلال عملية إثبات مفهوم تربية سمك "ماداي"، تم تقليل كمية العلف المستخدم بنسبة 20%، مع الحد من فترة التربية من سنة واحدة إلى 10 أشهر فقط. وتبيّن أيضًا أنه يمكن لهذا النظام أن يقلل من كمية الغازات الدفيئة الناجمة عن العلف المهدر بحوالي 20% مقارنة بالمغذيات الآلية التقليدية.

أسماك يتم تربيتها باستخدام هذا النظام. (تم الحصول على الصورة بإذن من UMITRON K.K.‎)

   تُستخدم هذه المغذيات الذكية المجهزة بالذكاء الاصطناعي أيضًا في تربية أسماك تراوت دونالدسون في بحيرة تيتيكاكا في بيرو. وكثيرًا ما تُستخدم التكنولوجيا اليابانية لحل المشاكل في الصناعات الأولية حول العالم، مثل تحسين بيئات العمل وبناء أنظمة إنتاج مستدامة.