2015 No.15

اليابان أرض المياه

2

المياه: ثروة طبيعية متاحة بوفرة في اليابان

الواقع أن الحياة في اليابان منذ القدم كانت سهلة دائمًا عندما يتعلق الأمر بالماء، فما عليك سوى أن تفتح صنبور المياه ليندفع أمامك كمًا وفيرًا من مياه جيدة شفافة وقد اعتاد اليابانيون على ذلك ولا يفكرون في الأمر كثيرًا ولكن الواقع أن تحقيق ذلك الأمر يتطلب الكثير من الجهد والعرق.

الصور: مهداة من حكومة طوكيو المركزية، و متحف طوكيو التاريخي للأعمال المائية

في اليابان يمكن شرب مياه الصنوبر بأمان تام. (صورة مهداة من أفلو)

زجاجات مياه مملؤة مباشرة من المركز الحكومي لتموين المياه وجاهزة للطرح في الأسواق.

اجلس في مقهى عام أو أي مطعم في اليابان وستجد على مائدتك في الحال كوبًا من الماء دون حتى أن تطلبه، وفي كل مكان تجد خزان لمياه الشرب، بكل تأكيد في المكاتب الحكومية والمكتبات وأيضًا في المتاجر الكبرى والمستشفيات، اشرب كما تشاء فكله مجانًا! في الحدائق العامة عندما يتعب الأطفال من اللعب يضعون وجوههم تحت صنبور المياه ويبتلعون الماء بوفرة، وفي كل مدن اليابان الصغيرة منها والكبيرة لن تجد صعوبة في العثور على مياه تشربها وفي اغلب الأحيان لن تضطر لدفع أي نقود.

كل فرد هنا يعلم أن الماء متوفر في كل وقت وفي كل مكان، ماء جيد دائمًا يمكنك أن تشربه في أمان و مثل هذه الظروف تساهم في تحقيق حياة رغدة في هذا البلد.

مذاق طيب بفضل تكنولوجيا متقدمة

في منتصف الليالي ينصت هؤلاء العمال لصوت أنابيب المياه تحت الأرض بالاستعانة بأجهزة خاصة لكشف أي تسرب يحدث فيها.

السؤال هو كيف أمكن تحقيق كل هذا؟ والإجابة هي: بفضل نظام جيد لتوفير المياه يعد واحد من أفضل الأنظمة في العالم كله من ناحية الكم والكيف أيضًا، فمثلًا في العاصمة طوكيو يوجد حوالي ٢٧٠٠٠ متر من خطوط المياه تحت الأرض وهو طول يكفي لتغطية ثلثي الكرة الأرضية تقريبًا.

يقول أحد المسئولين في مكتب الأشغال المائية التابع لحكومة طوكيو المركزية: «ليس معنى ذلك أن الظروف التي تواجه طوكيو تجعل من السهل معالجة وتوفير مياه آمنة ورائعة للشرب بل يحتاج الأمر للعناية بمصادر المياه الأصلية بإدارة مساحات كبيرة من الغابات والعناية بها، كذلك الاهتمام من ناحية أخرى بصيانة وتشغيل شبكات المياه وهو أمر يحتاج لقدر هائل من العمل الشاق والمتابعة الجيدة لأدق التفاصيل».

ويحتاج العدد السكاني الضخم في طوكيو لكمية هائلة من المياه بينما نجد أن الأنهار التي توفر تلك المياه لا تحتفظ بنقائها الأصلي لذلك نجد أن محطات تنقية المياه القادمة من نهر «تونى » لا تستخدم فقط أساليب المعالجة العادية وإنما تستخدم أيضًا أنظمة شديدة التطور تستعمل الأوزون والفحم المعالج بيولوجيًا لتحليل المواد غير النظيفة والكريهة الرائحة وإزالتها تمامًا.

وقد حصلنا على نتائج رائعة حيث أنه في استطلاع للرأي بين سكان طوكيو حول مياه الشرب التي يفضلونها وجدنا أن نصف السكان تقريبًا يرون أن مياه الصنبور لها مذاق أفضل من المياه المعدنية المعبأة التي تباع في الأسواق.

وتعتمد نوعية المياه إلى حد كبير على أحوال أنابيب التوزيع لذلك يحرص بشدة مكتب الأشغال المائية على صيانة الأنابيب القديمة بأخرى جديدة على فترات محددة والتأكد في منتصف الليل من عدم وجود أي تسريبات في جميع أنحاء العاصمة. يقوم المختصون بوضع طرف جهاز يشبه الستيتوسكوب على سطح الأرض ثم ينصتون لأي صوت يدل على وجود تسريب للمياه، وقد ساعدت هذه الطريقة على ضمان معدل تسريب شديد الانخفاض (حوالي ٢% خلال الأعوام القليلة الماضية) وهذا المعدل هو واحد من أقل معدلات تسرب المياه في العالم كله. (ليس غريبًا أن يصل معدل التسرب أحيانًا في المدن الكبرى وحتى في البلاد المتقدمة إلى أرقام تتراوح بين ١٠% و ٢٠%)

١

٢

تستخدم حكومة العاصمة مادة الأوزون لمعاجة المياه.
١. مولد الأوزون.
٢. حوض توصيل الأوزون، فالأوزون هو عامل
أكسدة قادر على تفتيت المواد العضوية.

توصيل المياه عبر شبكة من الأنابيب بداية من عام ١٥٩٠

تعود منظومة تموين المياه في طوكيو إلى تاريخ قديم عندما تم في عام ١٥٩٠ تأسيس مشروع يحمل اسم «كويشي-كاوا جوسوي» (تموين المياه من نهر كويشي-كاوا) وهو مشروع كان يستخدم تقنية متطورة بالنسبة لذلك العصر حيث كانت المياه تصل عبر أنابيب خشبية وحجرية إلى صهاريج، بل وكانت المياه تجري أيضًا نحو أماكن مرتفعة بفضل نظام للضخ، وتم إنشاء أنابيب في أحواض الأنهار وشبكة من أنابيب المياه عبر أنحاء المدينة بكاملها (كانت تسمى إيدو حينئذ).

وكانت الصهاريج منتشرة في أماكن كثيرة لكي يحصل المواطنون بأنفسهم على مياه الشرب والتنظيف، ويمكن أن نعتبر تلك الصهاريج مثل صنبور المياه في وقتنا الحاضر فالسكان في عصر إيدو كانوا يأخذون منها كل ما يحتاجونه من الماء في أي وقت يريدون وهذا كله حدث منذ ٤٠٠ سنة كاملة.

اليوم طبعًا أصبح وجود الماء في متناول اليد دائمًا هو أمرًا عاديًا في حياتنا اليومية وأول شيء نفعله في الصباح هو أن نلتقط كوبا ونفتح صنبور المياه لنملأه ونشرب منه وآخر شيء نفعله في المساء هو الغطس في حوض مملؤ بالماء، والواقع أننا لو أردنا أن نصف الحياة في اليابان فيمكننا أن نقول «حياة تمتلئ بمياه غزيرة من نوعية ممتازة».

هذه قناة حجرية تحت أرضية كانت في الماضي جزء من «كاندا جوسوي » وهي شبكة لتموين المياه من ابتكار وتنفيذ شركة كويشي-كاوا جوسوي (شركة تموين المياه من نهر كويشي-كاوا )، و وقد تم نقل القناة إلى موقعها الحالي هنا وإعادة إنشائها.

مطبوعة من القرن التاسع عشر من فن الطبع من قطع خشبية أو أوكيوئي. تصور المطبوعة منظرًا بالقرب من قناة تموين للمياه بمدينة إيدو (طوكيو حاليًا). اسم المطبوعة هو «ميشو إيدو هياكي: سيكيغوتشي جوسوي-باتا باشو-آن تسوباكياما («دير باشو على تل الكاميليا بجوار القناة في سيكيغوتشي» من سلسة مجموعة مطبوعات بعنوان «مائة منظر شهير من مدينة إيدو») للفنان أوتاغاوا هيروشيغى. (صورة من: وأفلو)

هذه أنبوبة خشبية كانت تستخدم لتزويد سكان إيدو بالمياه. الأنبوبة مصنوعة من خشب ثقيل ليمنع تسرب المياه.

بقايا صهريج من مدينة إيدو القديمة، يوضع حوالي ثلثي الصهريج أسفل الأرض وتمر المياه عبر أنابيب لتستقر في النهاية في صهاريج جاهزة للاستعمال.